للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القيامة، فيخبركم ربّكم بما عملتم، ويجازيكم على أعمالكم، المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته. وهذا وعيد في طاعة الوالدين، وهو في معنى الكفر.

نزلت هذه الآية كما روي عن قتادة في سعد بن أبي وقاص، حين هاجر، فحلفت أمه ألا تستظلّ بظلّ حتى يرجع إليها، ويكفر بمحمد- صلّى الله عليه وسلم- فلجّ «١» هو في هجرته، ونزلت الآية.

ثم كرّر الله تعالى التمثيل أو الشبيه بحالة المؤمنين ليحرّك النفوس إلى نيل المراتب العالية، فالذين آمنوا وعملوا صالح الأعمال، لنجعلنهم في نهاية الصلاح وأبعد غاياته ونحشرنهم مع أرفع الصالحين، وثمرة الصلاح تتحقق بعدئذ، وجزاؤه الجنة.

وقوله سبحانه: لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ أي في زمرة الأنبياء، على سبيل المبالغة.

الناحية الثانية- افتضاح شأن المنافقين: فمن الناس فريق، هم قوم من المكذبين المنافقين، الذين يتظاهرون بألسنتهم بالإيمان بالله، والتصديق بوجوده، ووحدانيته، دون أن يثبت الإيمان في قلوبهم، بدليل أنهم إذا أصيبوا بأذى المشركين من أجل إيمانهم، اعتقدوا بأن هذا من نقمة الله عليهم، فارتدوا عن الإسلام، وصرفهم العذاب عن الإيمان، وإذا تحقق نصر قريب من الله للمؤمنين بالفتح والغلبة والغنيمة قالوا: إنا كنا معكم ردءا وإخوانا لكم في الدين، أو ليس الله بأعلم بما في قلوب العالمين، وما تنطوي عليه من النفاق؟! وليختبرن الله الناس في السّر والعلن، ليتميز المؤمنون، ويعرف المنافقون، لأن المحنة محكّ الإيمان، فإن صبر المؤمن كان صادقا، وإن جزع وتبرم، كان كاذبا منافقا.

نزلت آية: وَمِنَ النَّاسِ في المنافقين الذين كفروا لما أوذوا، قال مجاهد: نزلت في أناس كانوا يؤمنون بألسنتهم، فإذا أصابهم بلاء من الله ومصيبة في أنفسهم افتتنوا.


(١) أي لازم ما عزم عليه من الهجرة، وأبى أن ينصرف عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>