للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مؤمن آل فرعون مواعظه لقومه، فقال: يا قومي، اتبعوني فيما أقول لكم وأدعوكم إليه، أدلكم على طريق الرشاد والخير والسداد: وهو اتباع دين الله وأمره. ثم حذرهم من فتنة الدنيا وزهّد فيها، فقال: يا قومي، ليست هذه الحياة الدنيا إلا مجرد متاع يستمتع به قليلا، ثم يزول وينتهي بالموت، وإن الآخرة هي دار الاستقرار والبقاء والخلود، أي إن الدنيا شيء يتمتع به قليلا، وعلى المرء الرغبة في الآخرة.

من ارتكب معصية، فلا يجزى في الآخرة إلا مثلها، عدلا من الله، ومن عمل العمل الصالح: وهو اتباع أمر الله واجتناب نهي الله، وهو مصدق بالله وبرسله، فهؤلاء هم لا غيرهم أهل الجنة التي يرزقون فيها رزقا وفيرا بغير عدّ وتقدير، ولا مقصور على حجم العمل، فضلا من الله ونعمة، أي إن جزاء السيئة مثلها فقط، وجزاء الحسنة لا يقتصر على المثل، بل يتجاوزه لما شاء الله.

ويا قومي، أخبروني عنكم، ما بالي أدعوكم إلى النجاة من النار ودخول الجنة، بالإيمان بالله تعالى وعبادته وطاعته وتصديق رسله، وتدعونني إلى عمل أهل النار، وهو الشرك وعبادة الأصنام؟! أي إن الدعاء إلى طاعة الله وعبادته وتوحيده: هو الدعاء إلى سبب النجاة، ودعاؤهم إياه دعاء إلى سبب دخول النار. ثم فسر الفرق بين الدعوتين في أن الواحدة كفر وشرك، والأخرى دعوة إلى الاعتزاز بالله تعالى وغفرانه.

إنكم تدعونني لأمر خطير: وهو الكفر بالله والإشراك به، مما لم يقم أي دليل على صحته وقبوله، وأنا أدعوكم إلى الإيمان بالمتصف بصفات الألوهية الحقة، من العزة الكاملة، والعلم الشامل، والإرادة التامة، والمغفرة الواسعة، والتعذيب الشديد، فآمنوا به يغفر لكم ويعزكم. وحقا إن دعاءكم لعبادة الأصنام والأنداد ليس لها أي دعوة مستجابة، فلا تجيب الداعي، سواء في الدنيا والآخرة، والواقع المتحقق أن مرجعنا ومصيرنا إلى الله بالموت، ثم بالبعث في الآخرة، فيجازى كل إنسان

<<  <  ج: ص:  >  >>