للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخرين، وجعلنا الرسالة والنّبوة في ذرّيتهما، وجعلنا الكتب المنزلة فيهما. والكتاب:

يعني الكتب الأربعة، فإنها جميعا في ذرّية إبراهيم عليه السّلام. وذكر نوح وإبراهيم تشريف لهما، وبيان نعم الله عليهما، ثم على ذرّيّتهما. ومع ذلك من ذرّيتهما من فسق وعاند، وهم الكثيرون، ومنهم المهتدون الطائعون. وهذا يدلّ على أن الانحراف عن جادة الحق، كان بعد التمكّن من معرفته.

ثم أتبعنا بعدهم في الزمان رسلنا، واحدا بعد الآخر، ثم خصّ الله تعالى عيسى ابن مريم بالاتباع تشريفا له، ولشهرته في عصر التنزيل القرآني، وأن الله آتاه الإنجيل، وهو الكتاب الذي أوحاه الله إليه، متضمنا أصول شرعه، ومكملا للتوراة، وموضحا حقيقة الشريعة. ومن صفات عيسى عليه السّلام: أن الله جعل في قلوب أتباعه الخلّص: وهم الحواريون وأنصارهم رقّة في الطبع، ورحمة بالخلق، خلافا لليهود القساة، لكنهم ابتدعوا الرهبانية من جهة أنفسهم: وهي الانقطاع للعبادة ورياضة الروح واعتزال الناس، ولم يشرعها الله لهم ولم يأمرهم بها، ولكنهم قصدوا من ذلك ابتغاء رضوان الله، وكان مآلهم أمرين: أولهما- أنهم ابتدعوا في دين الله ما لم يأمر الله به، والثاني- أنهم لم يقوموا بحقّ ما التزموه، ولم يراعوا كونه قربة لله عزّ وجلّ، ولم يرعوه حق الرعاية، بل غيّروا وبدّلوا، فأعطينا المؤمنين منهم إيمانا صحيحا ثوابهم الذي يستحقونه بالإيمان، وكثير من هؤلاء المترهبين فاسقون خارجون عن حدود الله وطاعته، يأكلون الأموال بالباطل، وينحرفون في سلوكهم.

وناسب ما ذكر: الاتّعاظ والإعتبار وبيان ثواب المؤمنين بعيسى ومحمد عليهما الصّلاة والسّلام، فقال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ.. أي يا أيها الذين صدّقوا بوجود الله ووحدانيته، وصدّقوا رسوله من مؤمني أهل الكتاب:

اليهود والنصارى، خافوا الله تعالى، بترك ما نهاكم عنه، وأداء ما أمركم به، وآمنوا

<<  <  ج: ص:  >  >>