للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد جعل الله للمسلمين من الأنبياء الماضين إبراهيم الخليل عليهم السّلام قدوة طيبة حميدة، يقتدون به وبمن آمن برسالته الداعية لتوحيد الله عزّ وجلّ والمنفّذة للدعوة، حين قالوا لقومهم الكفرة عبدة الأوثان: إننا بريئون منكم، لكفركم بالله وشرككم به، وبريئون من كل ما تعبدون من غير الله من الأصنام، فقد جحدنا بما آمنتم به من الأوثان، وكذّبناكم في أقوالكم ولم نؤمن بشيء منها.

وعادتنا معكم: أنه قد ظهرت العداوة والكراهية بيننا وبينكم، ما دمتم على كفركم، فنحن نتبرأ منكم إلى الأبد، حتى تظهروا الإيمان بالله وحده لا شريك له، وتعبدوا الله دون غيره، وتتركوا ما أنتم عليه من الشّرك والوثنية.

ثم استثنى الله تعالى شيئا لا يتأسّى به بإبراهيم عليه السّلام، ألا وهو استغفاره لأبيه، وقوله له: لا أملك لك من ردّ عذاب الله شيئا إن أشركت به، فلا تتأسوا به في هذا الاستغفار للمشركين، فإن استغفار إبراهيم لأبيه كان بسبب وعد سابق وعده إيّاه، فلما تبيّن له أنه عدوّ لله، تبرأ منه.

واعتصم إبراهيم عليه السّلام والمؤمنون به: بتوحيد الله حين فارقوا قومهم وتبرؤوا منهم قائلين: يا ربّنا اعتمدنا عليك في جميع أمورنا، ورجعنا وتبنا إليك، فإليك المرجع والمصير في الآخرة، لا لأحد سواك.

يا ربّنا لا تغلّبهم علينا، فنكون لهم فتنة وسبب ضلالة، لأنّهم يتمسكون بكفرهم ويقولون: إنما غلبناهم لأنا على الحقّ وهم على الباطل، هذا قول قتادة، وقال ابن عباس: لا تسلّطهم علينا فيفتنونا عن ديننا، وهذا القول الثاني أرجح، لأنهم إنما دعوا لأنفسهم، وعلى منحى قتادة إنما دعوا للكفار. واغفر لنا ذنوبنا يا ربّنا، فإنك أنت القوي الغالب القاهر، وذو الحكمة البالغة في أقوالك وأفعالك، وشرعك وقدرك، وتدبير خلقك.

<<  <  ج: ص:  >  >>