للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنشأ هذا التكذيب في الظاهر: هو العناد والجحود، إذ إنهم لا يتّهمونك بالكذب في الواقع، فأنت الصادق الأمين في نظرهم، فما جرّبوا عليك كذبا ولا خيانة، ولكنهم يعاندون الحق، ويجحدون بآيات الله أي علاماته وشواهد نبيّه محمد صلّى الله عليه وسلّم، ويصدّون عنها، فالقضية محاربة لدعوة الله لا لشخص نبيّه، فلست بكاذب في حقيقتك، وتكذيبك لا يعد تكذيبا. لهذا فلا تحزن أيها الرسول عليهم، واصبر على تكذيبهم وإيذائهم، كما صبر رسل قبلك وكما أوذوا، حتى ينصرك الله عليهم، وينتقم من أعدائك المكذّبين، كما نصر رسله الكرام. وهذا الوعد بالنصر أمر حتمي محقق، فلا تغيير ولا خلف في وعد الله ووعيده، ولا مكذّب لما أخبر به، فوعد الله بنصر رسله والمؤمنين نافذ في الدنيا والآخرة، وكذا وعيده لاحق بالكافرين، وتلك هي أنباء أو أخبار الرّسل المرسلين قبل نبيّنا عليهم الصّلاة والسّلام، لقد أنزلناها عليك أيّها النّبي وقصصناها عليك، ومفادها ما أخبرناك به من تكذيب الناس لهم وصبرهم ثم نصرهم.

وقوله تعالى: وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ.. آية فيها إلزام الحجة للنّبي صلّى الله عليه وسلّم وتقسيم الأحوال عليه، حتى يتبيّن أنه لا وجه إلا الصبر والمضي لأمر الله تعالى.

والمعنى: إن كنت أيها النّبي تعظّم تكذيبهم وكفرهم على نفسك وتحزن عليه، فإن كنت تقدر على دخول سرب في أعماق الأرض، أو على ارتقاء سلّم إلى السماء، فدونك وشأنك به، أي إنك لا تقدر على شيء من هذا، ولا بدّ لك من التزام الصبر واحتمال المشقة ومعارضتهم بالآيات التي أقامها الله تعالى للناظرين المتأملين. فالله لا إله إلا هو لم يرد أن يجمعهم على الهدى، وإنما أراد ترك الحرّية للناس في النظر والتأمل في آياته، ليهتدي بها الأسوياء العقلاء، ويضل آخرون. وهناك عوامل تساعدهم على الوصول إلى الحق، فقد خلقهم الله على الفطرة الإسلامية النقية وهي

<<  <  ج: ص:  >  >>