للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنا بشر أتبع ما يوحى إلي من ربّي، كسائر الأنبياء والرّسل من قبلي، فمعرفتي وعلمي ومعلوماتي كلها مستمدة من الوحي، وذلك يستوجب التأمل في وحي الله وملكوته، لأنه لا يستوي الناظر المفكّر في الآيات مع المعرض الكافر المهمل للنظر، فالأعمى والبصير مثالان للمؤمن والكافر، أي ففكّروا أنتم وانظروا، لتميّزوا بين ضلال الشرك وهداية الإسلام، وتعقلوا ما في القرآن من أدلة توحيد الله واتّباع رسول الله، وهذا يدلّ على إثبات القدرة المطلقة والعلم الشامل لله سبحانه.

ثم أمر الله نبيّه بأن ينذر ويخوّف جميع الخلائق بالوحي القرآني، وهم أهل الملل السماوية الثلاثة الذين يخافون من الحشر وأهواله، وشدة الحساب يوم القيامة، وما يتبع ذلك من الجزاء على الأعمال عند لقاء الله، في حال من ليس له ولي ناصر ولا شفيع شافع، أنذرهم بهذا أيها النّبي لعلهم- أي البشر- يتّعظون ويتّقون، فيمتثلون الأوامر وينتهون عن الكفر والمعاصي.

ثم ذكر القرآن مثلا رائعا في مجاملة الضعفاء، فمنع من تقريب أشراف القوم من قريش، وحذّر من طرد ضعفاء الناس المؤمنين الموحّدين الذين يعبدون الله في الصباح والمساء، ويدعونه سرّا وعلانية، ويخلصون في طاعتهم وعبادتهم، فلا يقصدون إلا إرضاء الله تعالى، المستحق وحده للعبادة، وهؤلاء هم الذين يختص الله بحسابهم، وليس لك أيها النّبي محاسبتهم على شيء، ولم تكلف شيئا غير دعائهم للدين، لا ترزقهم ولا يرزقونك، وإن طردتهم من مجلسك كنت من الظالمين أنفسهم.

فأي دليل بعد هذا الإنذار الموجّه للنّبي يدلّ على أن القرآن لا يتصور إلا أن يكون كلام الله، وليس بكلام بشر ولو كان نبيّا.

ثم أماط القرآن اللثام عن حقيقة جوهرية هي تعدد الأديان: من إسلام وشرك، ولقد ابتلى الله المؤمنين بالمشركين وعلى العكس واختبرهم بذلك، وابتلاء المؤمنين

<<  <  ج: ص:  >  >>