للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يصوم ثلاثة أيام ويفطر عندها يوما، ويقوم ثلاث ليال ويبيت عندها ليلة"،.. وتفصيل حكم كعب رضي الله عنه، إشارة إلى قوله تعالى: {فَانْكِحُوا} ، أي من حق الزوجة أن تباشر لتعف، ثم الإنجاب تبعا لذلك إن كان، ولا يجوز تركها في ذلك ولو بنوافل العبادات، ثم أمر كعب زوجها أن يعطيها يوما بليلة بعد كل ثلاث لتصبح هي الرابعة.

وقد بنى هذا الحكم على افتراض أنه متزوج بأقصى المباح لما قرأ {مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} على أنه سيغيب عنها مع زوجاته الثلاث، كل بحقها المؤقت لها، وهي الزوجة الرابعة يعطيها الوقت الرابع، فسر عمر رضي الله عنه من فطانة كعب ومن حسن ما قضى به، وبعثه قاضيا على البصرة) من (الطرق الحكيمة) لابن القيم.

٤- وكتب عمر بن الخطاب منشور للناس يقول فيه:

"إني لم أبعث عمالي- ولاتي - لا ليضربوا جلودكم، ولا ليأخذوا أموالكم، فمن فعل به ذلك فليرفعه إلي لأقتص له"، فقال عمرو بن العاص،: "لو أن رجلا أدب بعض رعيته، أتقصه منه؟ فقال عمر: "إي والذي نفسي بيده لأقصنه منه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلق من نفسه". المصدر السابق.

٥- وقصة (جبلة بن الأيهم) المشهورة:

وكان من ذوي الجاه والسلطان في الجاهلية وفي الإسلام، فقد كان يطوف يوما بالكعبة ورداؤه يجره خلفه فوطئ عليه أحد الطائفين من ضعفاء المسلمين، فاستدار إليه ابن الأيهم ولطمه لطمة شديدة، وكان ذلك أيضا في خلافة عمر رضي الله عنه، فذهب المضروب إلى عمر وشكا إليه، فاستدعاه عمر وحكم بأن يضربه الرجل إلا أن يصفح، لكن الرجل أبى الصفح وأصر على أن يقتص، فقال جبلة لعمر: "كيف تسويني به وأنا ملك وهو سوقة"- أي من عامة الناس- فقال رضي الله عنه: "إن الإسلام سوى بينكما"، فطلب من عمر أن يمهله، فأمهله، فذهب ولم يرجع وإنما فر هاربا إلى بلاد الرومان، وارتد عن الإسلام إلى نصرانيته وبعد مدة أحس بالندم، وعلم بأنه ترك الحق وعاد إلى الباطل، ثم كتب قصيدة في ذلك، منها هذه الأبيات.

تنصرت الأشراف من عار لطمة ... وما كان فيها لو صبرت لها ضرر

تكنفني منها لجاج ونخوة ... وبعت لها العين الصحيحة بالعور

فيا ليت أمي لم تلدني وليتني ... رجعت إلى الأمر الذي قاله عمر

٦- في (الطرق الحكمية) لابن القيم رحمه الله قوله:

من له ذوق في الشريعة وإطلاع على كمالها، وتضمنها لغاية مصالح العباد في المعاش والمعاد، ومجيئها بغاية العدل الذي يسع الخلائق، وأنه لا عدل فوق عدلها، ولا مصلحة فوق ما تضمنته من المصالح، تبين له أن السياسة العادلة جزء من أجزائها، وفرع من فروعها، وأن من أحاط بمقاصدها وحسن فهمه فيها، لم يحتج معها إلى سياسة غيرها البتة، فإن السياسة نوعان: سياسة ظالمة فالشريعة تحرمها، وسياسة عادلة تستخرج الحق من الظالم الفاجر، فهي من الشريعة، علمها من علمها، وجهلها من جهلها.

وفي تاريخ إسلامنا من هذه الأمثلة الشيء الكثير ثم يأتي الإنسان ليضع لنفسه أف له ولما وضع، وهل ينبئك مثل خبير؟.

<<  <  ج: ص:  >  >>