للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا} {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين} ، ومنذ نزول هذه الآيات على رسولنا صلى الله عليه وسلم ونحن على هذا الصراط السوي نسير، فلا نعتدي على أحد ولا نقبل أن يعتدي علينا أحد، وتركنا لغيرنا حرية اختيار ما يعتقده والدين الذي يعتنقه وإثمه على نفسه، إن فرعون قال لقومه: {مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ} فلما أدركه العقاب المؤقت لإثمه في الدنيا بالإغراق، قال وهو على وشك الغوص في الماء: {وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ، بل تركنا غيرنا يتعصب لنبي معين لا يعتقد بنبوة سواه، كما فعل اليهود والنصارى، ولم نعاملهم بالمثل لما كفروا بنبينا صلى الله عليه وسلم، بل أمنا بأنبيائهم وبكل نبي رسول من لدن نوح عليه السلام إلى النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} ، ولا نعتبر مؤمنين على الإطلاق إذا أنكرنا واحدا منهم، ومبشروهم يجوبون الآن خلال الأرض في ظل إعلان حقوق الإنسان، ليخرجوا الناس من دينهم ويحملوهم على الإيمان بنبيهم فقط، وبوسائل تخلو من كل إنسانية، ثم يأتوا ليعتموا على الناس اعتدائهم على الأديان بليِّ ألسنتهم بكلمة (الحرية الدينية) وهم ألذ أعدائها، وحصيلة الحديث أن الإسلام يأبى بترفع أن يتطفل على أحد ليعتنقه، لأن المعتنق له هو المستفيد وحده، ومنزله سبحانه لا يناله نفع ولا ضر {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ} {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ} ، بل حتى الذي يدخل في الإسلام لا يرضينا منه إلا أن يكون مقتنعا به عاملا بالأوامر مجتنبا للنواهي، يقول في ذلك الإمام الشيخ محمد عبده:-

"إن التقليد بغير عقل ولا هداية شأن الكافرين، فإن المرء لا يكون مؤمنا إلا إذا عقل دينه وعرفه بنفسه حتى اقتنع به، فمن رُبي على التسليم بغير عقل، وعلى العمل- ولو صالحا- بغير فقه، فهو غير مؤمن، فليس القصد من الإيمان أن يذَلَّلَ الإنسان للخير كما يُذَلَّلَ الحيوان، بل القصد أن يرتقي عقله وترتقي نفسه بالعلم، فيعمل الخير وهو يفقه أنه الخير النافع المرضي لله، ويترك الشر وهو يفهم سوء عاقبته ودرجة مضرته".

فإذا كان هذا حالنا مع من يعتنق الإسلام أصلا، فهل نرغم الناس على أن يعتنقوه؟ أم أن الذين "وضعوا حقوق الإنسان" أحسّوا بأنهم يفعلون ذلك كما بينا آنفا، فراحوا يصرفون النظر عنهم. بحقوق متكلفة متصنعة؟.

أما عن الفقرة الخاصة في حقوقهم التي وضعوها، بحرية ترك ما عليه من دين والانتقال كما يشاء من دين إلى آخر، فنحن نقر ذلك تماما إذا انتقل من النصرانية إلى اليهودية إلى الشيوعية إلي البوذية إلى الهندوسية إلى آخر قائمة الكفر الطويلة؛ لأن الصورة

<<  <  ج: ص:  >  >>