للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

[مواقف أهل العلم من تحديد المسافة التي تناط بها الرخصة وأدلتهم:]

الأول: موقف ابن حزم الظاهري:

يرى ابن حزم: أن من سافر ميلا أو تجاوزه أو قاربه، فإنه يجب عليه الفطر، وقد بطل صومه بمجرد بلوغه نهاية الميل ١.

وقد استند إلى إطلاق لفظ السفر في الآية ... {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ، وعدم وجود ما يدل على تحديد للمعنى المراد من لفظ السفر الوارد في السنة المطهرة، وكل ما يستفاد من حديث ابن عباس وحديث جابر في غزوة الفتح- وقد سبقت الإشارة إليهما قريبا- وحديث أنس المتقدم: هو جواز القصر في هذه المسافات. وليس في هذه الأحاديث، ولا في غيرها ما يفيد المنع من الفطر أو القصر في أقل من هذه المسافات، وقد جاءت في التحديد روايات مختلفة عن الصحابة رضي الله عنهم ليس بعضها أولى من بعض ٢.

ويناقش مستند ابن حزم هذا، بأن لفظ السفر وإن جاء مطلقا في الكتاب الكريم، وفي السنة المطهرة، إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوضح المراد منه، في منعه المرأة من السفر بدون زوج أو محرم ثلاثة أيام، حسب ما جاء في روايات أبي هريرة السابق، فعلم من ذلك أن أدنى المسافة التي يطلق عليها لفظ السفر، هي مسيرة هذه المدة من الزمن. وقد فهم كثير من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم هذا المعنى، فقد روى عبد الرزاق عن إسرائيل عن إبراهيم بن عبد الأعلى، قال: سمعت سويد بن غفلة يقول: إذا سافرتَ ثلاثا فاقصر الصلاة٣.

كما روى عن معمر عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: كنت مع حذيفة بالمدائن فاستأذنت أن آتى أهلي بالكوفة فأذن.. وشرط على ألا أفطر، ولا أصلى ركعتين حتى أرجع إليه٤.

وعن مجاهد أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إذا سافرتَ يوما إلى العشاء فأتم الصلاة. فان زدت فأقصر ٥


١المحلى جـ ٦ص ٣٦٤.
٢ المحلى جـ ٦ص ٣٦٥.
٣ المصنف جـ ٢ص ٥٢٦.
٤ الصنف جـ ٢ص ٥٢٧.
٥ المصنف جـ ٢ص ٥٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>