للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

الكذاب، السلام على من اتبع الهدى أما بعد، فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين". وكان ذلك في آخر سنة عشر من الهجرة ١.

وقد بين الله جهل العرب لاسم الرحمن في قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا: وَمَا الرَّحْمَنُ؟ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا؟ وَزَادَهُمْ نُفُوراً} (الفرقان آية ٦٠) وقال المفسرون: "إنهم قالوا: ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة؛ يعنون مسيلمة" ٢.

وقد ذكر مقاتل وغيره من المفسرين أن رجلا من المسلمين كان يقول في صلاته: "يا رحمن يا رحيم" فقال له رجل من المشركين: "أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون ربا واحدا، فما بال هذا يدعو ربين اثنين؟ " فأنزل الله تعالى {وَلِلَّهِ الأََسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (الأعراف آية ١٨٠) .

حكى ذلك القرطبي٣ وقد ذكر اسم (الرحمن) في القرآن الكريم في مواضع مختلفة سبعا وخمسين مرة٤.

الرحيم:

هو اسم لله مشتق من الرحمة كذلك، وهو على وزن فعيل وهو من صيغ المبالغة. وقد سبق أن ذكرنا أن اسم (الرحمن) لما يتضمنه من صفة الرحمة التي تعم كافة خلقه بأن خلقهم وأوسع عليهم في أرزاقهم، فإنه أشد مبالغة من اسم (الرحيم) الذي يتضمن صفة الرحمة التي تعم عباده المؤمنين فحسب بأن هداهم إلى الإيمان في الدنيا، وهو يثيبهم في الآخرة الثواب الدائم الذي لا ينقطع، إذ يقول سبحانه: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} (الأحزاب آية ٤٣) .

وقد قال الإمام ابن القيم: وأما الجمع بين الرحمن والرحيم، ففيه معنى بديع، وهو أن (الرحمن) دال على الصفة القائمة به سبحانه، و (الرحيم) دال على تعلقها بالمرحوم، فكان الأول للوصف، والثاني للفعل، فالأول دال على أن الرحمة صفة (أي: صفة ذات له سبحانه، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته (أي: صفة فعل له سبحانه) وإذا أردت فهم هذا فتأمل قوله تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} (الأحزاب آية ٤٣) ، {إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة آية ١١٧) ، ولم يجيء قط رحمة بهم، فعلم أن (رحمن) هو الموصوف بالرحمة، و (رحيم) هو الراحم برحمته٥.


١ تهذيب سيرة ابن هشام طبعة ثالثة ص ٦٧، ٣٧١،٣٥١،ومرجع الزجاج ص ٢٩.
٢ فتح القدير الجزء الرابع ص ٨٤.
٣ المرجع السابق الجزء الثاني ص ٢٦٨.
٤ المعجم المفهرس السابق ذكره.
٥ مرجع الزجاج ص ٢٨ وبدائع الفوائد لابن القيم الجزء الأول ص ٢٤.