للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

ومحل الاستدلال الوارد في هذه الآيات ما ذكره المفسرون من أنّ يعقوب -عليه السلام- استدل بقرينة سلامة القميص من التمزيق عَلى كذب دعوى إخوة يوسف- عليه السلام - بأن الذئب قد أكله, وكذلك استدل الشاهد بقرينة قدّ القميص من دبر على كذب امرأة العزيز وبراءة يوسف- عليه السلام-.

ونرى الآن منهجهم في استنباط حكم القرينة من هذه الآيات.

الشاهد الأول:

يقول ابن العربي المالكي عن قوله تعالى: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ ... } الآية: "فيها ثلاث مسائل- نذكر منها:

المسألة الأولى: إنما أرادوا أن يجعلوا الدم علامة على صدقهم فروي في الإسرائيليات أن الله تعالى قرن بهذه العلامة تعارضها، وهي سلامة القميص من التلبيب. والعلامات إذا تعارضت تعيَّن الترجيح، فيقضى بجانب الرجحان وهي قوة التهمة لوجوه تضمنها القرآن، منها طلبهم إياه شفقة ولم يكن من فعلهم ما يناسبها فيشهد بصدقها بل كان سبق ضدها وهي تبرمهم، ومنها أن الدم يحتمل أن يكون في القميص موضوعاً، ولا يمكن افتراس الذئب ليوسف وهو لابس القميص ويسلم القميص من تخريق، وهكذا يجب على الناظر أن يلحظ الأمارات (العلامات) وتعارضها.

المسألة الثانية: القضاء بالتهمة إذا ظهرت كما قال يعقوب: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} ولا خلاف في الحكم بالتهمة, وإنما اختلف الناس في تأثير أعيان التهم"١.

ومن ذلك أيضا قول القرطبي في تفسيره "استدل فقهاؤنا بهذه القرينة على إعمال الأمارات في مسائل الفقه كالقسامة وغيرها وأجمعوا على أنّ يعقوب -عليه السلام- استدل على كذبهم بصحة القميص, وهكذا يجب عَلى الناظر أن يلحظ الأمارات والعلاقات إذا تعارضت, فما ترجح منها قضى بجانب الترجيح وهى قوة التهمة ولا خلاف في الحكم بها"٢.


١ أحكام القرآن ٣/ ١٠٦٥.
٢ تفسير القرطبي ٩/ ١٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>