للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[موسى مع بني إسرائيل]

٨١- لقد قسِّمَت قصة موسى في القرآن إلى قسمين: أحدهما ما كان وهو في مصر يجاهد فرعون ويجالده، وقد أشرنا فيه إلى أنَّه لم يكن تكرارًا إلَّا لتجديد الأمر؛ إذ يكون تمهيدًا للمقصد من الجزء لا يتمّ البيان إلَّا به، أو هو مقدمة يتلوها الجزء الذي سيق له القول، وكان لقصد غير الأول.

أمَّا القسم الثاني فهو ما كان بعد الهجرة إلى الطور، وصار موسى مع بني إسرائيل، وقد خلصوا من فرعون وجنده، وفي هذا القسم تلقَّى الألواح وعُلِّمَ التوراة، ولاقى المرارة فيها من بني إسرائيل وضعفهم وتقليدهم، كما لاقى من قبل الجهاد مع فرعون.

وفي قصة بني إسرائيل مع موسى -عليه السلام- يتبين ما يكون عليه قوم قد مردوا على الخنوع، وضعفت فيهم النفوس، واستمرءوا الهون من الحياة، ورضوا بالمكان الدون واستقروا فيه١.

انتقل بهم موسى -عليه السلام- إلى الطور، فأرسل الله لهم السلوى والمنّ طعامًا، وأظلَّ الله تعالى عليهم بالغمام حتى لا تلفحهم شمس الصحراء، ثم توالت عليهم النِّعَم، وتوالت خوارق العادات، ولقد ذكرت الآيات القرآنية في أول سورة البقرة بعض أخبارهم، فقال تعالى:

{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ، وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ، وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ


١ هو تفضيل نسبي، وليس تفضيلًا ذاتيًّا؛ وذلك لأنَّ الله اختارهم بقيادة موسى لمقاومة فرعون؛ ولأنه فضَّلهم واختار بعض الأنبياء منهم، وقد عصوا فأنكروا نعمة الله فاستحقوا سخطه.

<<  <   >  >>