للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[أقسام الإيجاز]

١٣١- يقسم الرماني الإيجاز إلى قسمين: إيجاز حذف، وإيجاز قصر، فيقول -رضي الله عنه: "الإيجاز على وجهين: حذف وقصر، والحذف إسقاط كلمة للاجتزاء فيها بدلالة غيرها من الحال أو فحوى الكلام، والقصر بنية الكلام على تقليل اللفظ وتكثير المعنى من غير حذف، فمن الحذف: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} ومنه {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} ومنه {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ} ومنه حذف الأجوبة، وهو أبلغ من الذكر، وما جاء منه في القرآن كثرة كقوله -جلَّ ثناؤه: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} ومنه قوله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر: ٧٣] ، كأنه قيل حصلوا على النعيم، وإنّما صار الحذف في مثل هذا أبلغ من الذكر؛ لأن النفس فيه تذهب كل مذهب، ولو ذكر الجواب لقصر على الوجه الذي تضمنه البيان، فحذف الجواب في قولك: "لو رأيت عليًا بين الصفين" أبلغ من الذكر لما بيناه".

هذا كلام الرماني في الإيجاز بالحذف، ونلاحظ في ذلك أمرين:

أولهما: أن الإيجاز هنا نسبي في جزء من الكلام، فقد يكون الكلام في مقام الإطناب، ولكن في جزء منه يكون الحذف، وذلك موجود في بعض ما ذكره من أمثلة من ذلك قوله تعالى في آية البر، فإنها مطنبة بالنسبة لبيان المتسحقين للبر، فقد قال تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: ١٧٧] .

ونرى من هذا أنَّ مجموع الآية في بيانها لا يُعَدّ من قبيل الإيجاز، بل هو إطناب على المعنى الذي بيناه في الإطناب.

ولكن ذلك لا يمنع أن في جزء من الآية الكريمة إيجازًا، وعلى ذلك نقول: إن الإيجاز هنا نسبي أو جزئي.

<<  <   >  >>