للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

تهدد الدين، وتوهن جانب المسلمين ولسنا نشك في أنهم إنما كبروا هذه المعاني، وجهروا بها، لأن كل قبيلة كانت تطمع في أن يكافئها سليمان بالولاية لقاء تعلقها به، ووفائها له.

وقام وكيع بن أبي سود التميمي بالولاية، بعد ذلك الاضطراب وتلك الفوضى، ففرح العرب واستبشروا خيرا، حتى إن نهار بن توسعة البكري نفخ في رأسه، وعظم دوره، ومضى يحبب للناس شخصيته، معلنا أنهم أسلموا إليه زمام أمرهم، لأنه مشهور بفنائه في الحروب، مذكور بوفائه للخليفة، وأنه قادهم قيادة سليمة، وساسهم سياسة عادلة، فاجتمعت كلمتهم، والتأمت صفوفهم، واتحدوا بزعامته تحت راية الإسلام، وفي ذلك يقول١:

أراد بنو عمرو لتهلك ضيعة ... فقد تركت أجسادهم بمضيع

ستبلغ أهل الشام عنا وقيعة ... صفا ذكرها للحنظلي وكيع

وقد أسندت أهل العراق أمورها ... إلى حامل ما حملوه منيع

له راية بالثغر سوداء لم تزل ... تفض بها للمشركين جموع

مباركة تهدي الجنود كأنها ... عقاب نحت٢ من ريشها لوقوع

على طاعة المهدي لم يبق غيرها ... فأبنا وأمر المسلمين جميع

على خير ما كانت تكون جماعة ... على الدين دينا ليس فيه صدوع

ولكن وكيعا أخلف ظنون العرب به، وخيب آمالهم فيه، فقد تحكم برقابهم، وبطش بهم، ولم يقف عند اضطهادهم والتعدي عليهم، بل خرج على حدود الشرع وقواعده، فإذا هو لا يقنع بجلد السكران جلدا، بل يسفك دمه سفكا. فلما روجع في ذلك "وقيل له: ليس عليه القتل، إنما عليه الحد، قال أنا لا أعاقب بالسياط،


١ نقائض جرير والفرزدق ١: ٣٦٤.
٢ نحت: اعتمدت.

<<  <   >  >>