للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[بين الغبطة والحسد]

أخرج البخاري عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل أتاه الله مالًا؛ فلسط على هلكته في الحق، ورجل أتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها".

التصوير الأدبي في بلاغة التعبير عن الحسد المحمود وهو الغبطة في قوله -صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنتين" فالصورة البلاغية الأولى تقوم على أسلوب التأكيد "بلا" النافية، والاستثناء "بإلَّا" لإثبات الحكم وتقريره مدعومًا بالدليل، وتقوم على أسلوب القصر، حين قصر الاثنين فقط على هذا النوع من الحسد وهو الغبطة، وما عداها يقع فيه الحسد المحرم، الذي نهى الله عنه في قوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} ، بل أمرنا أن نستعيذ منه في كل وقت وحين في سورة الفلق، والصورة الفنية الثانية تقوم على الأسلوب المجازي وهو الكنانة، فليس المراد منه الحسد في قوله: "لا حسد إلا في اثنتين"، وهو المعنى القريب وهو محرم، بل كنى بذلك عن حسد محمود، وهو الغبطة وهي أن يتمنى المغتبط مالًا يهلكه في الحق مثل غيره، وأن يكون مثل غيره من العلماء والحكام؛ ليعلم الحكمة؛

<<  <   >  >>