للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرعية، إذا منعهم عن العبث والفساد، وضرب السّيد على يدي عبده المأذون في التجارة، إذا منعه عن التصرّف فيها. قال الأسود بن يعفر، وكان ضريرا:

ومن الحوادث لا أبا لك أنني ... ضربت عليّ الأرض بالأسداد «١»

سِنِينَ عَدَداً أي معدودة، وهو نعت للسنين، فالعدّ المصدر، والعدد الاسم المعدود، كالنقص والنقض والخبط والحبط. وقال أبو عبيدة: هو نصب على المصدر.

ثُمَّ بَعَثْناهُمْ، يعني من نومهم لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً، وذلك حين تنازع المسلمون الأوّلون أصحاب الملك، والمسلمون الآخرون الذين أسلموا حين أوى أصحاب الكهف في قدر مدّة لبثهم في الكهف، فقال المسلمون الأولون: مكثوا في كهفهم ثلاثمائة سنة وتسع سنين، وقال المسلمون الآخرون: بل مكثوا كذا وكذا. فقال الأوّلون: اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا، فذلك قوله: ثُمَّ بَعَثْناهُمْ، لتعلموا أَيُّ الْحِزْبَيْنِ: الفريقين أَحْصى:

أصوب وأحفظ لِما لَبِثُوا في كهفهم نياما، أَمَداً: غاية.

وقال مجاهد: عددا. وفي نصبه وجهان: أحدهما على التفسير والثاني لوقوع لِما لَبِثُوا عليه.

نَحْنُ نَقُصُّ، أي نقرأ وننزل عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ، أي خبر أصحاب الكهف بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ: شبان وأحداث آمَنُوا بِرَبِّهِمْ، حكم الله لهم بالفتوّة حين آمنوا بلا واسطة لذلك. وقال أهل اللّسان: رأس الفتوّة الإيمان. وقال الجنيد: الفتوّة كفّ الأذى وبذل الندى، وترك الشكوى. وقيل: الفتوّة شيئان: اجتناب المحارم، واستعمال المكارم. وقيل: الفتى من لا يدّعي قبل الفعل، ولا يزكّي نفسه بعد الفعل. وقيل: ليس الفتى من يصبر على السياط، إنما الفتى من جاز على الصراط. وقيل: ليس الفتى من يصبر على السكين، إنما الفتى من يطعم المسكين.

وَزِدْناهُمْ هُدىً إيمانا وبصيرة وإيقانا.

وَرَبَطْنا: وشددنا عَلى قُلُوبِهِمْ بالصبر، وألهمناهم ذلك، وقوّيناهم بنور الإيمان حتى صبروا على هجران دار قومهم وفراق ما كانوا فيه من خفض العيش، وفرّوا بدينهم إلى الكهف، إِذْ قامُوا بين يدي دقيانوس فَقالُوا حين عاتبهم على تركهم عبادة الصنم: رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا: لن نعبد مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً، يعني إن دعونا غير الله، لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً. قال ابن عباس ومقاتل: جورا. قال قتادة: كذبا. وأصل الشطط والإشطاط: مجاوزة القدر، والإفراط.

هؤُلاءِ قَوْمُنَا، يعني أهل بلدهم اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ، أي من دون الله آلِهَةً، يعني


(١) تفسير القرطبي: ١٥/ ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>