للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَطْعِ صَارَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْفَقِيرِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِنْهُ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ لِإِحْيَاءِ نَفْسِهِ أَوْ بَعْضِ أَعْضَائِهِ وَأَيْضًا فَهُوَ مَقِيسٌ عَلَى الْأَبِ بِالْمَعْنَى الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

بَابُ فِيمَنْ سَرَقَ مَا قَدْ قُطِعَ فِيهِ

قَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ سَرَقَ ثَوْبًا فَقُطِعَ فِيهِ ثُمَّ سَرَقَهُ مَرَّةً أُخْرَى وَهُوَ بِعَيْنِهِ لَمْ يُقْطَعْ فِيهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا إثْبَاتُ الْحُدُودِ بِالْقِيَاسِ وَإِنَّمَا طَرِيقُهَا التَّوْقِيفُ أَوْ الِاتِّفَاقُ فَلَمَّا عَدِمْنَاهُمَا فِيمَا وَصَفْنَا لَمْ يَبْقَ فِي إثْبَاتِهِ إلَّا الْقِيَاسُ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَنَا فَإِنْ قِيلَ هَلَّا قَطَعْته بِعُمُومِ قَوْلِهِ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما قِبَلَ السَّرِقَةِ قِيلَ لَهُ السَّرِقَةُ الثَّانِيَةُ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا الْعُمُومُ لِأَنَّهَا تُوجِبُ قَطْعَ الرِّجْلِ لَوْ وَجَبَ الْقَطْعُ وَاَلَّذِي فِي الْآيَةِ قَطْعُ الْيَدِ وَأَيْضًا فَإِنَّ وُجُوبَ قَطْعِ السَّرِقَةِ مُتَعَلِّقٌ بِالْفِعْلِ والعين جميعا والدليل أَنَّهُ مَتَى سَقَطَ الْقَطْعُ وَجَبَ ضَمَانُ الْعَيْنِ كَمَا أَنَّ حَدَّ الزِّنَا لَمَّا تَعَلَّقَ بِالْوَطْءِ كَانَ سُقُوطُ الْحَدِّ مُوجِبًا ضَمَانَ الْوَطْءِ وَلَمَّا تَعَلَّقَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ بِقَتْلِ النَّفْسِ كَانَ سُقُوطُ الْقَوَدِ مُوجِبًا ضَمَانَ النَّفْسِ فَكَذَلِكَ وُجُوبُ ضَمَانِ الْعَيْنِ فِي السَّرِقَةِ عِنْدَ سُقُوطِ الْقَطْعِ يُوجِبُ اعْتِبَارَ الْعَيْنِ فِي ذَلِكَ فَلَمَّا كَانَ فِعْلُ وَاحِدٍ فِي عَيْنَيْنِ لَا يُوجِبُ إلَّا قَطْعًا وَاحِدًا كَانَ كَذَلِكَ حُكْمُ الْفِعْلَيْنِ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُوجِبَ إلَّا قَطْعًا واحدا إذا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَيْنَيْنِ أَعْنِي الْفِعْلَ وَالْعَيْنَ تَأْثِيرٌ فِي إيجَابِ الْقَطْعِ فَإِنْ قِيلَ فَلَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَحُدَّ ثُمَّ زَنَى بِهَا مَرَّةً أُخْرَى حُدَّ ثَانِيًا مَعَ وُقُوعِ الْفِعْلَيْنِ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ قِيلَ لَهُ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِعَيْنِ الْمَرْأَةِ فِي تَعَلُّقِ وُجُوبِ الْحَدِّ بِهَا وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ وُجُوبُ حَدِّ الزِّنَا بِالْوَطْءِ لَا غَيْرُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ مَتَى سَقَطَ الْحَدُّ ضَمِنَ الْوَطْءَ وَلَمْ يَضْمَنْ عَيْنَ الْمَرْأَةِ وَفِي السَّرِقَةِ مَتَى سَقَطَ الْقَطْعُ ضَمِنَ عَيْنَ السَّرِقَةِ وَأَيْضًا فَلَمَّا صَارَتْ السَّرِقَةُ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْقَطْعِ فِي حُكْمِ الْمُبَاحِ التَّافِهِ بِدَلَالَةِ أَنَّ اسْتِهْلَاكَهَا لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانَهَا وَجَبَ أَنْ لَا يُقْطَعَ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا لَا يُقْطَعُ فِي سَائِرِ الْمُبَاحَاتِ التَّافِهَةِ فِي الْأَصْلِ وَإِنْ حَصَلَتْ مِلْكًا لِلنَّاسِ كَالطِّينِ وَالْخَشَبِ وَالْحَشِيشِ وَالْمَاءِ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَالُوا إنه لو كان غزلا فنسجه ثوبا بعد ما قُطِعَ فِيهِ ثُمَّ سَرَقَهُ مَرَّةً أُخْرَى قُطِعَ لِأَنَّ حُدُوثَ هَذَا الْفِعْلِ فِيهِ يَرْفَعُ حُكْمَ الْإِبَاحَةِ الْمَانِعَةِ كَانَتْ مِنْ وُجُوبِ الْقَطْعِ كَمَا لَوْ سَرَقَ خَشَبًا لَمْ يُقْطَعْ فِيهِ وَلَوْ كان بابا منجورا فسرقه قُطِعَ لِخُرُوجِهِ بِالصَّنْعَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>