للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالِاجْتِهَادِ وَإِنَّمَا طَرِيقُهُ التَّوْقِيفُ وَلَمْ يَقُلْ مَنْ أَثْبَتَ التَّخْيِيرَ إنَّ آيَةَ التَّخْيِيرِ نَزَلَتْ بَعْدَ قوله وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِنَّ التَّخْيِيرَ نَسَخَهُ وَإِنَّمَا حُكِيَ عَنْهُمْ مَذَاهِبُهُمْ فِي التَّخْيِيرِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ النَّسْخِ فَثَبَتَ نَسْخُ التَّخْيِيرِ بِقَوْلِهِ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ كَرِوَايَةِ مَنْ ذَكَرَ نَسْخَ التَّخْيِيرِ وَيَدُلُّ عَلَى نَسْخِ التَّخْيِيرِ قَوْلُهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ الْآيَاتِ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهُمْ فَلَمْ يَحْكُمْ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ الَّتِي اخْتَصَمُوا فِيهَا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ إنَّ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مَنْسُوخًا إلَّا مَا يُرْوَى عَنْ مُجَاهِدٍ رَوَاهُ مَنْصُورٌ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ قَوْلَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ نَسَخَهَا مَا قَبْلَهَا فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَقَدْ رَوَى سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ أن قوله فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ ويحتمل أن يكون قوله تعالى فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ قبل أن تعقد لهم الذمة ويدخلوا تَحْتَ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ بِالْجِزْيَةِ فَلَمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ وَجَرَتْ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ أَمَرَ بِالْحُكْمِ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَيَكُونُ حُكْمُ الْآيَتَيْنِ جَمِيعًا ثَابِتًا التَّخْيِيرُ فِي أَهْلِ الْعَهْدِ الَّذِينَ لَا ذِمَّةَ لَهُمْ وَلَمْ يَجْرِ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ كَأَهْلِ الْحَرْبِ إذَا هَادَنَّاهُمْ وَإِيجَابُ الْحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ الَّذِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يَدُلُّ عَلَى ذلك روى محمد بن اسحق عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي فِي الْمَائِدَةِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ إنَّمَا نَزَلَتْ فِي الدِّيَةِ بَيْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَبَيْنَ بَنِي النَّضِيرِ وَذَلِكَ أَنَّ بَنِي النَّضِيرِ كَانَ لَهُمْ شَرَفٌ يُدَوْنَ دِيَةً كَامِلَةً وَأَنَّ بنى قريظة يدون نِصْفَ الدِّيَةِ فَتَحَاكَمُوا فِي ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ فِيهِمْ

فَحَمَلَهُمْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْحَقِّ فِي ذَلِكَ فَجَعَلَ الدية سواء ومعلوم أن بنى قريظة وبنى النضير لَمْ تَكُنْ لَهُمْ ذِمَّةٌ قَطُّ وَقَدْ أَجْلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَتَلَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَلَوْ كَانَ لَهُمْ ذِمَّةٌ لَمَا أَجْلَاهُمْ وَلَا قَتَلَهُمْ وَإِنَّمَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَهْدٌ وَهُدْنَةٌ فَنَقَضُوهَا فَأَخْبَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ آيَةَ التَّخْيِيرِ نَزَلَتْ فِيهِمْ فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهَا بَاقِيًا فِي أَهْلِ الْحَرْبِ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ وَحُكْمُ الْآيَةِ الْأُخْرَى فِي وُجُوبِ الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ثَابِتًا فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ فَلَا يَكُونُ فِيهَا نَسْخٌ وَهَذَا تَأْوِيلٌ سَائِغٌ لَوْلَا مَا رُوِيَ عَنْ السَّلَفِ مِنْ نَسْخِ التَّخْيِيرِ بِالْآيَةِ الْأُخْرَى

وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رِوَايَةٌ أُخْرَى وَعَنْ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَالزُّهْرِيِّ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي شَأْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>