للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى وُجُوبِ الْحَقِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَهُوَ الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ وَمَتَى وَجَدْنَا حُكْمًا قَدْ اسْتَعْمَلَتْهُ الْأُمَّةُ وَلَفْظُ الْكِتَابِ يَنْتَظِمُهُ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عِبَارَةً عَنْهُ فَوَاجِبٌ أَنْ يُحْكَمَ أَنَّ الِاتِّفَاقَ إنَّمَا صَدَرَ عَنْ الْكِتَابِ وَأَنَّ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ هُوَ الْحُكْمُ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ وَغَيْرُ جَائِزٍ إثْبَاتُهُ حَقًّا غَيْرَهُ ثُمَّ إثبات نسخه

بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ

إذْ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْحَقُّ هُوَ الْعُشْرُ الَّذِي بَيَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ

قَوْلُهُ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ

بَيَانًا لِلْمُرَادِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَآتُوا حَقَّهُ يوم حصاده كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دراهم بيان لقوله تعالى وآتوا الزكاة وَقَوْلُهُ أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لكم من الأرض وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَآتُوا حَقَّهُ يوم حصاده مَنْسُوخًا بِالْعُشْرِ وَنِصْفِ الْعُشْرِ لِأَنَّ النَّسْخَ إنَّمَا يَقَعُ بِمَا لَا يَصِحُّ اجْتِمَاعُهُمَا فَأَمَّا مَا يَصِحُّ اجْتِمَاعُهُمَا مَعًا فَغَيْرُ جَائِزٍ وُقُوعُ النَّسْخِ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَهُوَ الْعُشْرُ فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا بِهِ وَأَمَّا مَنْ جَعَلَ هَذَا الْحَقَّ ثَابِتَ الْحُكْمِ غَيْرَ مَنْسُوخٍ وَزَعَمَ أَنَّهُ حَقٌّ آخَرُ غَيْرُ الْعُشْرِ يَجِبُ عِنْدَ الْحَصَادِ وَعِنْدَ الدِّيَاسِ وَعِنْدَ الْكَيْلِ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو قَوْلُهُ هَذَا مِنْ أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ عِنْدَهُ الْوُجُوبَ أَوْ النَّدْبَ فَإِنْ كَانَ نَدْبًا عِنْدَهُ لَمْ يَسُغْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِقَامَةِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ صَرْفُ الْأَمْرِ عَنْ الْإِيجَابِ إلَى النَّدْبِ إلَّا بِدَلَالَةٍ وَإِنَّ رَآهُ وَاجِبًا فَلَوْ كَانَ كَمَا زَعَمَ لَوَجَبَ أَنْ يَرِدَ النَّقْلُ بِهِ مُتَوَاتِرًا لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَلَكَانَ لَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ نَقْلُهُ فِي نَقْلِ وُجُوبِ الْعُشْرِ وَنِصْفِ الْعُشْرِ فَلَمَّا لَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ عَامَّةُ السَّلَفِ وَالْفُقَهَاءِ عَلِمْنَا أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْحَقَّ هُوَ الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ الَّذِي بينه صلّى الله عليه وسلّم فَإِنْ قِيلَ الزَّكَاةُ لَا تُخْرَجُ يَوْمَ الْحَصَادِ وَإِنَّمَا تُخْرَجُ بَعْدَ التَّنْقِيَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الزَّكَاةَ قِيلَ لَهُ الْحَصَادُ اسْمٌ لِلْقَطْعِ فَمَتَى قَطَعَهُ فَعَلَيْهِ إخْرَاجُ عُشْرِ مَا صَارَ فِي يَدِهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْخُضَرُ كُلُّهَا إنَّمَا يَخْرُجُ الْحَقُّ مِنْهَا يَوْمَ الْحَصَادِ غَيْرَ مُنْتَظَرٍ بِهِ شَيْءٌ غَيْرُهُ وَقِيلَ إنَّ قوله تعالى وآتوا حقه يوم حصاده لَمْ يَجْعَلْ الْيَوْمَ ظَرْفًا لِلْإِيتَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَإِنَّمَا هُوَ ظَرْفٌ لَحِقَهُ كَأَنَّهُ قَالَ وَآتُوا الْحَقَّ الَّذِي وَجَبَ يَوْمَ حَصَادِهِ بَعْدَ التَّنْقِيَةِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمَّا ثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ هُوَ الْعُشْرُ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْعُشْرِ فِي جَمِيعِ مَا تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ ذَكَرَ الزَّرْعَ بِلَفْظِ عُمُومٍ يَنْتَظِمُ لِسَائِرِ أَصْنَافِهِ وَذَكَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>