للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ ضُرُوبٌ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ أَحَدُهَا إخْبَارُهُ إيَّاهُمْ بِأَنَّ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ لَهُمْ وَهِيَ عِيرُ قُرَيْشٍ الَّتِي كَانَتْ فِيهَا أَمْوَالُهُمْ وَجَيْشُهُمْ الَّذِينَ خَرَجُوا لِحِمَايَتِهَا فَكَانَ وَعْدُهُ عَلَى مَا وَعَدَهُ وقَوْله تَعَالَى وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذات الشوكة تكون لكم يَعْنِي أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا يَوَدُّونَ الظَّفَرَ لِمَا فيها الْأَمْوَالِ وَقِلَّةِ الْمُقَاتِلَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ خَرَجُوا مُسْتَخْفِينَ غَيْرَ مُسْتَعِدِّينَ لِلْحَرْبِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَظُنُّوا أَنَّ قُرَيْشًا تَخْرُجُ لِقِتَالِهِمْ وقَوْله تَعَالَى وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ وَهُوَ إنْجَازُ مَوْعِدِهِ لَهُمْ فِي قَطْعِ دَابِرِ الْكَافِرِينَ وَقَتْلِهِمْ

وقَوْله تَعَالَى فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ وَمَا جَعَلَهُ الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم فَوُجِدَ مُخْبِرُ هَذِهِ الْأَخْبَارِ عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ فَكَانَ مِنْ طُمَأْنِينَةِ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ مَا أَخْبَرَ بِهِ

وَقَالَ تَعَالَى إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أمنة منه فَأَلْقَى عَلَيْهِمْ النُّعَاسَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَطِيرُ فيه النعاس بإظلال العدو عليكم بِالْعِدَّةِ وَالسِّلَاحِ وَهُمْ أَضْعَافُهُمْ ثُمَّ قَالَ وَيُنَزِّلُ عليكم من السماء ماء ليطهركم به يَعْنِي مِنْ الْجَنَابَةِ لِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ كَانَ احتمل وهو حزر الشَّيْطَانِ لِأَنَّهُ مِنْ وَسْوَسَتِهِ فِي الْمَنَامِ وَلِيَرْبِطَ على قلوبكم بِمَا صَارَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الْأَمَنَةِ وَالثِّقَةِ بموعود اللَّه ويثبت به الأقدام يَحْتَمِلُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا صِحَّةُ الْبَصِيرَةِ وَالْأَمْنِ وَالثِّقَةِ الْمُوجِبَةِ لِثَبَاتِ الْأَقْدَامِ وَالثَّانِي أَنَّ مَوْضِعَهُمْ كَانَ رَمْلًا دَهْسًا لَا تَثْبُت فِيهِ الْأَقْدَامُ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى مِنْ الْمَطَرِ مَا لَبَّدَ الرَّمْلَ وَثَبَّتَ عَلَيْهِ الْأَقْدَامَ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ فِي التَّفْسِيرِ

قَوْله تَعَالَى إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إلى الملائكة أنى معكم أن أنصركم فثبتوا الذين آمنوا وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا إلْقَاؤُهُمْ إلَى الْمُؤْمِنِينَ بِالْخَاطِرِ وَالتَّنْبِيهِ أَنَّ اللَّه سَيَنْصُرُهُمْ عَلَى الْكَافِرِينَ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِثَبَاتِهِمْ وَتَحَزُّبِهِمْ عَلَى الْكُفَّارِ ويحتمل أن يكون التثبيت بإخبار النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّه سَيَنْصُرُهُ وَالْمُؤْمِنِينَ

فَيُخْبِرُ النَّبِيُّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلم بِذَلِكَ الْمُؤْمِنِينَ فَيَدْعُوهُمْ ذَلِكَ إلَى الثَّبَاتِ ثُمَّ قَالَ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رمى وذلك أن النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ وَرَمَى بِهِ وُجُوهَهُمْ فَانْهَزَمُوا وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلَّا دخل من ذلك التراب في عينه وعنى بذلك أن اللَّه بلغ ذلك التُّرَابِ وُجُوهَهُمْ وَعُيُونَهُمْ إذْ لَمْ يَكُنْ فِي وُسْعِ أَحَدٍ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ أَنْ يُبْلِغَ ذَلِكَ التُّرَابُ عُيُونَهُمْ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم وهذه كلها من دلالة النُّبُوَّةِ وَمِنْهَا وُجُودُ مُخْبِرَاتِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتَّفَقَ مِثْلُهَا تَخَرُّصًا وَتَخْمِينًا وَمِنْهَا مَا أَنْزَلَ مِنْ الْمَطَرِ الَّذِي لَبَّدَ الرَّمْلَ حَتَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>