للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقاتلوا أئمة الكفر

فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْعَهْدِ مَتَى خَالَفُوا شَيْئًا مِمَّا عُوهِدُوا عَلَيْهِ وَطَعَنُوا فِي دِينِنَا فَقَدْ نَقَضُوا الْعَهْدَ وَذَلِكَ لِأَنَّ نَكْثَ الْأَيْمَانِ يَكُونُ بِمُخَالَفَةِ بَعْضِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ فِيهِ عَلَى وَجْهِ النَّفْيِ كَقَوْلِهِ واللَّه لا كلمت زيدا ولا عمرو وَلَا دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ وَلَا هَذِهِ أَيَّهمَا فَعَلَ حَنِثَ وَنَكَثَ يَمِينَهُ ثُمَّ لَمَّا ضَمَّ إلَى ذَلِكَ الطَّعْنَ فِي الدِّينِ دَلَّ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْعَهْدِ مِنْ شُرُوطِ بَقَاءِ عَهْدِهِمْ تَرْكُهُمْ لِلطَّعْنِ فِي دِينِنَا وَأَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ مَمْنُوعُونَ مِنْ إظْهَارِ الطَّعْنِ فِي دَيْنِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ يَشْهَدُ لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ مِنْ الْفُقَهَاءِ إنَّ مَنْ أَظْهَرَ شَتْمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَدْ نَقَضَ عَهْدَهُ وَوَجَبَ قَتْلُهُ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يُعَزَّرُ وَلَا يُقْتَلُ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ شتم النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى قُتِلَ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ وَرَوَى الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٍ فِيمَنْ سَبَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ قَالَا هِيَ رِدَّةٌ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ نَكَلَ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ قَالَ يُضْرَبُ مائة ثم يترك حتى إذا هن برىء ضُرِبَ مِائَةً وَلَمْ يَذْكُرْ فَرْقًا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ وَقَالَ اللَّيْثُ فِي الْمُسْلِمِ يَسُبُّ النَّبِيَّ صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ إنَّهُ لَا يُنَاظَرُ وَلَا يُسْتَتَابُ وَيُقْتَلُ مكانه وكذلك اليهود والنصارى وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَيُشْتَرَطُ عَلَى الْمُصَالِحِينَ مِنْ الْكُفَّارِ أَنَّ مَنْ ذَكَرَ كِتَابَ اللَّه أَوْ مُحَمَّدًا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ بِمَا لَا يَنْبَغِي أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ أَوْ أَصَابَهَا بِاسْمِ نِكَاحٍ أَوْ فَتَنَ مُسْلِمًا عَنْ دِينِهِ أَوْ قَطَعَ عَلَيْهِ طَرِيقًا أَوْ أَعَانَ أَهْلَ الْحَرْبِ بِدَلَالَةٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ آوَى عَيْنًا لَهُمْ فَقَدْ نَقَضَ عَهْدَهُ وَأُحِلَّ دَمُهُ وَبَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّه وَذِمَّةُ رَسُولِهِ وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ أَظْهَرَ سب النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ فَقَدْ نَقَضَ عَهْدَهُ لِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الكفر فَجَعَلَ الطَّعْنَ فِي دِينِنَا بِمَنْزِلَةِ نَكْثِ الْأَيْمَانِ إذْ مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَجْعَلَ نَكْثَ الْأَيْمَانِ وَالطَّعْنَ فِي الدِّينِ بِمَجْمُوعِهِمَا شَرْطًا فِي نَقْضِ الْعَهْدِ لِأَنَّهُمْ لَوْ نَكَثُوا الْأَيْمَانَ بِقِتَالِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُظْهِرُوا الطَّعْنَ فِي الدِّينِ لَكَانُوا نَاقِضِينَ لِلْعَهْدِ وَقَدْ جَعَلَ رَسُولُ اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم مُعَاوَنَةَ قُرَيْشٍ بَنِي بَكْرٍ عَلَى خُزَاعَةَ وَهُمْ حلفاء النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ نَقْضًا لِلْعَهْدِ وَكَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ سِرًّا وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ إظْهَارُ طَعْنٍ فِي الدِّينِ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ كَانَ مَنْ أَظْهَرَ سَبَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ إذْ سب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم من أكثر فِي الدِّينِ فَهَذَا وَجْهٌ يَحْتَجُّ بِهِ الْقَائِلُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>