للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لك الذين صدقوا

العفو ينصرف عن وُجُوهٍ أَحَدِهَا التَّسْهِيلُ وَالتَّوْسِعَةُ

كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّه وَآخِرُهُ عَفْوُ اللَّه

وَالْعَفْوُ التَّرْكُ

كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى وَالْعَفْوُ الْكَثْرَةُ

كقوله تعالى حتى عفوا يَعْنِي كَثُرُوا وَأَعْفَيْت فُلَانًا مِنْ كَذَا وَكَذَا إذَا سَهَّلْت لَهُ تَرْكَهُ وَالْعَفْوُ الصَّفْحُ عَنْ الذَّنْبِ وَهُوَ إعْفَاؤُهُ مِنْ تَبِعَتِهِ وَتَرْكِ الْعِقَابِ عَلَيْهِ وَهُوَ مِثْلُ الْغُفْرَانِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ التَّسْهِيلَ فَإِذَا عَفَا عَنْ ذَنْبِهِ فَلَمْ يَسْتَقْصِ عَلَيْهِ وَسَهَّلَ عَلَيْهِ الْأَمْرَ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْوُجُوهِ الَّتِي تَنْصَرِفُ عَلَيْهَا هَذِهِ الْكَلِمَةُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهَا التَّرْكَ والتوسعة ومن الناس من يقول إنه كان من النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ ذَنْبٌ صَغِيرٌ فِي إذْنِهِ لَهُمْ وَلِهَذَا قال اللَّه تَعَالَى عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ لِمَ فَعَلْت مَا جَعَلْت لَك فِعْلَهُ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ لِمَ فَعَلْت مَا أَمَرْتُك بِفِعْلِهِ قَالُوا فَغَيْرُ جَائِزٍ إطْلَاقُ الْعَفْوِ عَمَّا قَدْ جَعَلَ لَهُ فِعْلَهُ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ مَا أَمَرَهُ بِهِ وَقِيلَ إنَّهُ جَائِزٌ أَنْ لَا تَكُونَ مِنْهُ مَعْصِيَةٌ فِي الْإِذْنِ لَهُمْ لَا صَغِيرَةٌ وَلَا كَبِيرَةٌ وَإِنَّمَا عَاتَبَهُ بِأَنْ قَالَ لِمَ فَعَلْت مَا جَعَلْت لَك فِعْلَهُ مِمَّا غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ إذْ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مُخَيَّرًا بَيْنَ فِعْلَيْنِ وَأَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ قَالَ اللَّه تَعَالَى فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بزينة وأن يستعففن خير لهن فَأَبَاحَ الْأَمْرَيْنِ وَجَعَلَ أَحَدَهُمَا أَوْلَى وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ عَفَا اللَّهُ عنك لم أذنت لهم كَانَتْ كَمَا تَسْمَعُونَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّه فِي سُورَةِ النُّورِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه- إلى قوله- فأذن لمن شئت منهم فَجَعَلَهُ اللَّه تَعَالَى رُخْصَةً فِي ذَلِكَ

وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ابْنِ عباس فِي قَوْلِهِ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بالله- إلى قوله- يترددون هَذَا بِعَيْنِهِ لِلْمُنَافِقِينَ حِينَ اسْتَأْذَنُوهُ لِلْقُعُودِ عَنْ الْجِهَادِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَعَذَرَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لم يذهبوا حتى يستأذنوه وَرَوَى عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ إنما يستاذنك الذين لا يؤمنون بالله قَالَ نَسَخَهَا قَوْلُهُ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى امر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه- إلى قوله- فأذن لمن شئت منهم فَجَعَلَ اللَّه تَعَالَى رَسُولَهُ بِأَعْلَى النَّظَرَيْنِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ قَوْله تَعَالَى عفا الله عنك لم أذنت لهم فِي قَوْمٍ مِنْ الْمُنَافِقِينَ لَحِقَتْهُمْ تُهْمَةٌ فَكَانَ يمكن النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم استبراء أمرهم بترك الإذن لهم فينظر نِفَاقُهُمْ إذَا لَمْ يَخْرُجُوا بَعْدَ الْأَمْرِ بِالْخُرُوجِ وَيَكُونُ ذَلِكَ حُكْمًا ثَابِتًا فِي أُولَئِكَ وَيَدُلُّ عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>