للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْهَا فَحَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ يُبْطِلُ فَائِدَةَ قوله تعالى ليتفقهوا في الدين فَثَبَتَ أَنَّ الَّتِي تَتَفَقَّهُ هِيَ الطَّائِفَةُ النَّافِرَةُ مِنْ الْفِرْقَةِ الْمُقِيمَةِ فِي بَلَدِهَا وَتُنْذِرُ قَوْمَهَا إذَا رَجَعَتْ إلَيْهَا وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى وُجُوبِ طَلَبِ الْعِلْمِ وَأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ لِمَا تَضَمَّنَتْ مِنْ الْأَمْرِ بِنَفْرِ الطَّائِفَةِ مِنْ الْفِرْقَةِ لِلتَّفَقُّهِ وَأَمْرِ الْبَاقِينَ بِالْقُعُودِ لِقَوْلِهِ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً

وَقَدْ رَوَى زِيَادُ بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ

وَهَذَا عِنْدَنَا يَنْصَرِفُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا طَلَبُ الْعِلْمِ فِيمَا يُبْتَلَى بِهِ الْإِنْسَانُ مِنْ أُمُورِ دِينِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَهُ مِثْلُ مَنْ لَا يَعْرِفُ حُدُودَ الصَّلَاةِ وَفُرُوضَهَا وَحُضُورَ وَقْتِهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَهَا وَمِثْلُ مَنْ مَلَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهَا وَكَذَلِكَ الصَّوْمُ وَالْحَجُّ وَسَائِرُ الْفُرُوضِ وَالْمَعْنَى الْآخَرُ أَنَّهُ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إلَّا أَنَّهُ عَلَى الْكِفَايَةِ إذَا قَامَ بِهِ بَعْضُهُمْ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى لُزُومِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي أُمُورِ الدِّيَانَاتِ الَّتِي لَا تَلْزَمُ الْكَافَّةَ وَلَا تَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ الطَّائِفَةَ لَمَّا كَانَتْ مَأْمُورَةً بِالْإِنْذَارِ انْتَظَمَ فَحْوَاهُ الدَّلَالَةَ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْإِنْذَارَ يَقْتَضِي فِعْلَ الْمَأْمُورِ بِهِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ إنْذَارًا وَالثَّانِي أَمْرُهُ إيَّانَا بِالْحَذَرِ عِنْدَ إنْذَارِ الطَّائِفَةِ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى لَعَلَّهُمْ يحذرون مَعْنَاهُ لِيَحْذَرُوا وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ لُزُومَ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لِأَنَّ الطَّائِفَةَ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَقَدْ رُوِيَ فِي تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى وَلْيَشْهَدْ عذابهما طائفة من المؤمنين أَنَّهُ أَرَادَ وَاحِدًا وَقَالَ تَعَالَى وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا وَلَا خِلَافَ أَنَّ الِاثْنَيْنِ إذَا اقْتَتَلَا كَانَا مُرَادَيْنِ بِحُكْمِ الْآيَةِ وَلِأَنَّ الطَّائِفَةَ فِي اللُّغَةِ كَقَوْلِك الْبَعْضُ وَالْقِطْعَةُ مِنْ الشَّيْءِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْوَاحِدِ فَكَانَ قَوْلُهُ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ منهم طائفة بِمَنْزِلَتِهِ لَوْ قَالَ بَعْضُهَا أَوْ شَيْءٌ مِنْهَا فَدَلَالَةُ الْآيَةِ ظَاهِرَةٌ فِي وُجُوبِ قَبُولِ الْخَبَرِ الْمُقَصِّرِ عَنْ إيجَابِ الْعِلْمِ وَإِنْ كَانَ التَّأْوِيلُ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الطَّائِفَةَ النَّافِرَةَ إنَّمَا تَنْفِرُ مِنْ الْمَدِينَةِ وَاَلَّتِي تَتَفَقَّهُ إنَّمَا هِيَ الْقَاعِدَةُ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَلَالَتُهَا أَيْضًا قَائِمَةٌ فِي لُزُومِ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ لِأَنَّ النَّافِرَةَ إذَا رَجَعَتْ أنذرتها التي لم تنفر وأخبرتها بِمَا نَزَلَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَهِيَ تَدُلُّ أَيْضًا عَلَى لُزُومِ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ بِالْمَدِينَةٍ مَعَ كَوْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا لِإِيجَابِهَا الْحَذَرَ عَلَى السَّامِعِينَ بِنِذَارَةِ الْقَاعِدِينَ

قَوْله تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة خَصَّ الْأَمْرَ بِالْقِتَالِ لِلَّذِينَ يَلُونَهُمْ مِنْ الْكُفَّارِ وَقَالَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ فَاقْتُلُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>