للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا مَعْنَى مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَقَدْ ذَكَرَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَيْضًا فِيمَنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ دَارٌ لِرَجُلٍ يَسْكُنْهَا فَقَالَ إنْ أَقَمْت فِيهَا بَعْدَ يَوْمِك هَذَا فَأُجْرَةُ كُلِّ يَوْمٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ عَلَيْك أَنَّ هَذَا جَائِزٌ وَإِنْ أَقَامَ فِيهَا بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ لزمه كل يَوْمٍ مَا سَمَّى فَجَعَلَ سُكْنَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ رِضًا وَكَانَ ذَلِكَ إجَارَةً وَإِنْ لَمْ يُقَاوِلْهُ بِاللِّسَانِ وَفِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ مَنْ رَدَّ الصَّاعَ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَقْدُ إجَارَةٍ بَلْ فِعْلُهُ لِذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ قَبُولِ الْإِجَارَةِ وَعَلَى هَذَا قَالُوا فِيمَنْ قَالَ لِآخَرَ قَدْ اسْتَأْجَرْتُك عَلَى حَمْلِ هَذَا الْمَتَاعِ إلَى مَوْضِعِ كَذَا بِدِرْهَمٍ أَنَّهُ إنْ حَمَلَهُ اسْتَحَقَّ الدِّرْهَمَ وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِقَبُولِهَا فَإِنْ قِيلَ إنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ إجَارَةً لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَصِحُّ عَلَى حِمْلِ بَعِيرٍ وَإِنْ كَانَتْ إجَارَةً فَهِيَ مَنْسُوخَةٌ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَجُوزُ فِي شَرِيعَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ قِيلَ لَهُ هُوَ أَجْرٌ مَعْلُومٌ لِأَنَّ حِمْلَ بَعِيرٍ اسْمٌ لِمِقْدَارٍ مَا مِنْ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ كَقَوْلِهِمْ كَارَّةٌ وَوِقْرٌ وَوَسْقٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَلَمَّا لَمْ يُنْكِرْ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَلِكَ دل على صحنه وَشَرَائِعُ مَنْ قَبْلَنَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ حُكْمُهَا ثَابِتٌ عِنْدَنَا مَا لَمْ تُنْسَخْ

قَوْله تَعَالَى قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ قَالَ الْحَسَنُ وَأَبُو إِسْحَاقَ وَمَعْمَرٌ وَالسُّدِّيُّ كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ أَنْ يَسْتَرِقُّوا السَّارِقَ فَكَانَ تَقْدِيرُهُ جَزَاؤُهُ أَخْذُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ رَقِيقًا فهو جزاء عِنْدَنَا كَجَزَائِهِ عِنْدَكُمْ فَلَمَّا وُجِدَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ أَخَذَهُ عَلَى مَا شَرَطَ أَنَّهُ جَزَاءُ سَرِقَتِهِ فَقَالُوا خُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ عَبْدًا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ يَجُوزُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ اسْتِرْقَاقُ الْحُرِّ بِالسَّرِقَةِ وَكَانَ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُرِقَّ نَفْسَهُ لِغَيْرِهِ لِأَنَّ إخْوَةَ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَذَلُوا وَاحِدًا مِنْهُمْ لِيَكُونَ عَبْدًا بَدَلَ أَخِي يُوسُفَ

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدٍ سَرَقَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاعَهُ فِي دَيْنٍ عَلَيْهِ وَكَانَ حُرًّا

فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحُكْمُ قَدْ كَانَ ثَابِتًا إلَى أَنْ نُسِخَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم وفيما قص الله عَلَيْنَا مِنْ قِصَّةِ يُوسُفَ وَحِفْظِهِ لِلْأَطْعِمَةِ فِي سِنِي الْجَدْبِ وَقِسْمَتِهِ عَلَى النَّاسِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ دلالة على أن للأئمة فِي كُلِّ عَصْرٍ أَنْ يَفْعَلُوا مِثْلَ ذَلِكَ إذا علموا هَلَاكَ النَّاسِ مِنْ الْقَحْطِ

قَوْله تَعَالَى ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا علمنا إنَّمَا أَخْبَرُوا عَنْ ظَاهِرِ الْحَالِ لَا عَنْ بَاطِنِهَا إذْ لَمْ يَكُونُوا عَالِمِينَ بِبَاطِنِهَا وَلِذَلِكَ قالوا وما كنا للغيب حافظين فَكَانَ فِي الظَّاهِرِ لَمَّا وُجِدَ الصَّاعُ فِي رَحْلِهِ أَنَّهُ هُوَ الْآخِذُ لَهُ فَقَالُوا وَمَا شهدنا إلا بما علمنا يَعْنِي مِنْ الْأَمْرِ الظَّاهِرِ لَا مِنْ الْحَقِيقَةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ إطْلَاقِ اسْمِ الْعِلْمِ مِنْ طَرِيقِ الظَّاهِرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>