للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّمَا خَصَّ الْيَتِيمَ بِالذِّكْرِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا فِي أَمْوَالِ سَائِرِ النَّاسِ لِأَنَّ الْيَتِيمَ إلَى ذَلِكَ أَحْوَجُ وَالطَّمَعُ فِي مِثْلِهِ أَكْثَرُ وَقَدْ انْتَظَمَ قَوْلُهُ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ جَوَازُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ لِلْوَالِي عَلَيْهِ مِنْ جَدٍّ أَوْ وَصِيِّ أَبٍ لِسَائِرِ مَا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَحْسَنَ مَا كَانَ فِيهِ حِفْظُ مَالِهِ وَتَثْمِيرُهُ فَجَائِزٌ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ لِلْيَتِيمِ بِمَا لَا ضَرَرَ عَلَى الْيَتِيمِ فِيهِ وَبِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَأَقَلِّ مِنْهَا مِمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لِأَنَّ النَّاسَ قَدْ يَرَوْنَ ذَلِكَ حَطًّا لِمَا يَرْجُونَ فِيهِ مِنْ الرِّبْحِ وَالزِّيَادَةِ وَلِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ النُّقْصَانِ مما يختلف المقومون فيه فلم يثبت هُنَاكَ حَطِيطَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يشترى بأكثر من المقومون فيه فلم يثبت هُنَاكَ حَطِيطَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى الْيَتِيمِ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ مُتَيَقَّنٌ وَقَدْ نَهَى اللَّهُ أَنْ يُقْرَبَ مَالُ الْيَتِيمِ إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وَقَدْ دَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى جَوَازِ إجَارَةِ مَالِ الْيَتِيمِ وَالْعَمَلِ بِهِ مُضَارَبَةً لِأَنَّ الرِّبْحَ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الْيَتِيمُ إنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ بِعَمَلِ الْمُضَارِبِ فذلك أحسن من تركه

وقد روى عمر وبن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ابْتَغُوا بِأَمْوَالِ الْأَيْتَامِ خَيْرًا لَا تَأْكُلْهَا الصَّدَقَةُ

قِيلَ مَعْنَاهُ النَّفَقَةُ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تُسَمَّى صَدَقَةً

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم مَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ أَنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ بِمَالِ الْيَتِيمِ وَأَنْ يَدْفَعَهُ مُضَارَبَةً وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَشْتَرِيَ مَالِ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ وَيَبِيعُ مِنْهُ وَعَلَى أَنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَشْتَرِيَ مَالَ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ إذَا كَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ وَإِنْ اشْتَرَى بِمِثْلِ الْقِيمَةِ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَكُونَ مَا يَأْخُذُهُ الْيَتِيمُ أَكْثَرَ قِيمَةً لقوله تعالى إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ بحال وقوله حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَرَبِيعَةُ الْحُلُمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا فذكر الكبر هاهنا وَذَكَرَ الْأَشُدَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَقَالَ وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَذَكَرَ فِي إحْدَى الْآيَاتِ الْكِبَرَ مُطْلَقًا وَفِي الْأُخْرَى الْأَشُدَّ وَفِي الْأُخْرَى بُلُوغَ النِّكَاحِ مَعَ إينَاسِ الرُّشْدِ وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خَثِيمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ حتى إذا بلغ أشده ثلاث وثلاثون سنة واستوى أربعون سنة أو لم نعمركم قَالَ الْعُمُرُ الَّذِي أَعْذَرَ اللَّهُ فِيهِ إلَى ابْنِ آدَمَ سِتُّونَ سَنَةً وَقَالَ تَعَالَى حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي فَذَكَرَ فِي قِصَّةِ مُوسَى بُلُوغَ الْأَشُدِّ وَالِاسْتِوَاءِ وَذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بُلُوغَ الْأَشُدِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>