للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يُخَصِّصْ إيجَابَ الْكَيْلِ فِي الْمَكِيلِ وَإِيجَابُ الْوَزْنِ فِي الْمَوْزُونِ بِالْمَأْكُولِ مِنْهُ دُونَ غَيْرِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ سَائِرُ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ إذَا اشْتَرَى بَعْضَهَا بِبَعْضٍ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَخْذُهُ مُجَازَفَةً إلَّا بِكَيْلٍ سَوَاءٌ كَانَ مَأْكُولًا أَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ نَحْوُ الْجِصِّ وَالنُّورَةِ وَفِي الْمَوْزُونِ نَحْوُ الْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَسَائِرِ الْمَوْزُونَاتِ وَفِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ وَأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ لِأَنَّ إيفَاءَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ لَا سَبِيلَ لَنَا إلَيْهِ إلَّا مِنْ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ وَغَلَبَةِ الظَّنِّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يمكن أحدا أن يدعى إذا كال لِغَيْرِهِ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يُزِيدُ حَبَّةً وَلَا يُنْقِصُ وَإِنَّمَا مَرْجِعُهُ فِي إيفَاءِ حَقِّهِ إلَى غَلَبَةِ ظَنِّهِ وَلَمَّا كَانَ الْكَائِلُ وَالْوَازِنُ مُصِيبًا لِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يُكَلَّفْ إصَابَةَ حَقِيقَةِ الْمِقْدَارِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ كَذَلِكَ حُكْمُ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ وَقِيلَ فِي الْقِسْطَاسِ إنَّهُ الْمِيزَانُ صَغُرَ أَوْ كَبُرَ وَقَالَ الْحَسَنُ هُوَ الْقَبَّانُ وَلَمَّا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ قَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ لَهُ عَلَى آخِرِ شَيْءٌ مِنْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ إنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ مُجَازَفَةً وإن تَرَاضَيَا وَظَاهِرُ الْأَمْرِ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ يُوجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ تَرْكُهُمَا بِتَرَاضِيهِمَا وَكَذَلِكَ لَا تَجُوزُ قِسْمَتُهُمَا إذَا كَانَ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ مُجَازَفَةٌ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَا وَلَوْ كَانَتْ ثِيَابًا أَوْ عُرُوضًا مِنْ غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ جَازَ أَنْ يَقْبِضَهُ مُجَازَفَةً بِتَرَاضِيهِمَا وَجَازَ أَنْ يَقْتَسِمَا مُجَازَفَةً إذْ لَمْ يُوجَدْ عَلَيْنَا فِيهِ إيفَاءُ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ قوله تعالى ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا مَعْنَاهُ أَنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَحْسَنُ عَاقِبَةً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالتَّأْوِيلُ هُوَ الَّذِي إلَيْهِ مرجع الشيء وتفسيره من قولهم آل يئول أَوَّلًا إذَا رَجَعَ

قَوْله تَعَالَى وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ الْقَفْوُ اتِّبَاعُ الْأَثَرِ مِنْ غَيْرِ بَصِيرَةٍ وَلَا عِلْمٍ بِمَا يَصِيرُ إلَيْهِ وَمِنْهُ الْقَافَةُ وَكَانَتْ الْعَرَبُ فِيهَا مَنْ يَقْتَافُ الْأَثَرَ وَفِيهَا مَنْ يَقْتَافُ النَّسَبَ وَقَدْ كَانَ هَذَا الِاسْمُ مَوْضُوعًا عندهم لما يخبر به الإنسان عن غَيْرِ حَقِيقَةٍ يَقُولُونَ تَقَوَّفَ الرَّجُلُ إذَا قَالَ الْبَاطِلَ قَالَ جَرِيرٌ:

وَطَالَ حِذَارِي خِيفَةَ الْبَيْنِ وَالنَّوَى ... وَأُحْدُوثَةٍ مِنْ كَاشِحٍ مُتَقَوِّفِ

قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَرَادَ بِقَوْلِهِ الْبَاطِلَ وَقَالَ آخَرُ:

وَمِثْلُ الدُّمَى شَمُّ الْعَرَانِينِ سَاكِنٌ ... بِهِنَّ الْحَيَاءُ لَا يُشِعْنَ التَّقَافِيَا

أَيْ التَّقَاذُفَ وَإِنَّمَا سُمِّيَ التَّقَاذُفُ بِهَذَا الِاسْمِ لِأَنَّ أَكْثَرَهُ يَكُونُ عَنْ غَيْرِ حَقِيقَةٍ وَقَدْ حَكَمَ اللَّهُ بِكَذِبِ الْقَاذِفِ إذَا لَمْ يَأْتِ بِالشُّهُودِ بِقَوْلِهِ لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ

<<  <  ج: ص:  >  >>