للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَسْخُهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ إنَّهُ إنَّمَا قَالَ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي مِلَّةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى أَنَّهُ كَمِلَّةِ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ فَإِنَّهُ يَعْنِي أَنَّ الْجِهَادَ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ كَمِلَّةِ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَنَّهُ جَاهَدَ فِي اللَّهِ حَقَّ جهاده وقال ابْنُ عَبَّاسٍ وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا لَا تَخَافُوا فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ وَهُوَ الْجِهَادُ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ وَقَالَ الضَّحَّاكُ يَعْنِي اعْمَلُوا بِالْحَقِّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَوْله تَعَالَى وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ ضِيقٍ وَكَذَلِكَ قَالَ مُجَاهِدٌ وَيُحْتَجُّ بِهِ فِي كُلِّ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَوَادِثِ أَنَّ مَا أَدَّى إلَى الضِّيقِ فَهُوَ مَنْفِيٌّ وَمَا أَوْجَبَ التَّوْسِعَةَ فَهُوَ أَوْلَى وَقَدْ قِيلَ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ أَنَّهُ مِنْ ضِيقٍ لَا مَخْرَجَ مِنْهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ مِنْهُ مَا يُتَخَلَّصُ مِنْهُ بِالتَّوْبَةِ وَمِنْهُ مَا تُرَدُّ بِهِ الْمَظْلِمَةُ فَلَيْسَ فِي دِينِ الإسلام مالا سَبِيلَ إلَى الْخَلَاصِ مِنْ عُقُوبَتِهِ وَقَوْلُهُ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ الْخِطَابُ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ كُلُّهُمْ رَاجِعًا بِنَسَبِهِ إلَى أَوْلَادِ إبْرَاهِيمَ فَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ حُرْمَةَ إبْرَاهِيمِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَحُرْمَةِ الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَفِي بَعْضِ الْقِرَاءَاتِ وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ قَوْله تعالى هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمِينَ وَقِيلَ إنَّ إبْرَاهِيمَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ إبْرَاهِيمَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وقوله تعالى مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا قَالَ مُجَاهِدٌ مِنْ قَبْلِ الْقُرْآنِ وَفِي الْقُرْآنِ وقوله تعالى هُوَ اجْتَباكُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ عُدُولٌ مَرْضِيُّونَ وَفِي ذَلِكَ بُطْلَانُ طَعْنِ الطَّاعِنِينَ عَلَيْهِمْ إذْ كَانَ اللَّهُ لَا يَجْتَبِي إلَّا أَهْلَ طَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِ مَرْضَاتِهِ وَفِي ذَلِكَ مَدْحٌ لِلصَّحَابَةِ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ وَدَلِيلٌ عَلَى طَهَارَتِهِمْ قَوْله تَعَالَى لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ إجْمَاعِهِمْ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ بِطَاعَةِ مَنْ أَطَاعَ فِي تَبْلِيغِهِ وَعِصْيَانِ مَنْ عَصَى وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ بِأَعْمَالِهِمْ فِيمَا بَلَّغْتُمُوهُمْ مِنْ كِتَابِ رَبِّهِمْ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ وَهَذِهِ الْآيَةُ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً فَبَدَأَ بِمَدْحِهِمْ وَوَصْفِهِمْ بِالْعَدَالَةِ ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ شُهَدَاءُ وَحُجَّةٌ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ كَمَا قَالَ هنا هُوَ اجْتَباكُمْ- إلى قوله- وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ قوله تعالى وَافْعَلُوا الْخَيْرَ رُبَّمَا يَحْتَجُّ بِهِ الْمُحْتَجُّ فِي إيجَابِ قُرْبَةٍ مُخْتَلَفٍ فِي وُجُوبِهَا وَهَذَا عِنْدَنَا لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ فِي إيجَابِ شَيْءٍ وَلَا يَصِحُّ اعتقاد العموم

<<  <  ج: ص:  >  >>