للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفَاسِقِ فِي أَشْيَاءَ فَمِنْهَا أُمُورُ الْمُعَامَلَاتِ يُقْبَلْ فِيهَا خَبَرُ الْفَاسِقِ وَذَلِكَ نَحْوُ الْهَدِيَّةِ إذَا قَالَ إنَّ فُلَانًا أَهْدَى إلَيْك هَذَا يَجُوزُ لَهُ قَبُولُهُ وَقَبْضُهُ وَنَحْوُ قَوْلِهِ وَكَّلَنِي فُلَانٌ بِبَيْعِ عَبْدِهِ هَذَا فَيَجُوزُ شِرَاؤُهُ مِنْهُ وَنَحْوُ الْإِذْنِ فِي الدُّخُولِ إذَا قَالَ لَهُ قَائِلٌ اُدْخُلْ لَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْعَدَالَةُ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ أَخْبَارِ الْمُعَامَلَاتِ وَيُقْبَلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ خَبَرُ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ

وَقَبِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ بَرِيرَةَ فِيمَا أَهْدَتْ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ

فَقَبِلَ قَوْلَهَا فِي أَنَّهُ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهَا وَأَنَّ مِلْكَ الْمُتَصَدِّقِ قَدْ زَالَ إلَيْهَا وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْفَاسِقِ وَشَهَادَتُهُ مِنْ وَجْهٍ آخِرَ وَهُوَ مَنْ كَانَ فِسْقُهُ مِنْ جِهَةِ الدِّينِ بِاعْتِقَادِ مَذْهَبٍ وَهُمْ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ فُسَّاقٌ وَشَهَادَتُهُمْ مَقْبُولَةٌ وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى أَمْرُ السَّلَفِ فِي قَبُولِ أَخْبَارِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ فِي رِوَايَةِ الْأَحَادِيثِ وَشَهَادَتِهِمْ وَلَمْ يَكُنْ فِسْقُهُمْ مِنْ جِهَةِ التَّدَيُّنِ مَانِعًا مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ وَتُقْبَلُ أَيْضًا شَهَادَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِيمَا سَلَفَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ فَهَذِهِ الْوُجُوهُ الثَّلَاثَةُ يُقْبَلُ فِيهَا خَبَرُ الْفَاسِقِ وَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ جُمْلَةِ قَوْله تعالى إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا لِدَلَائِلَ قَدْ قَامَتْ عَلَيْهِ فَثَبَتَ أَنَّ مُرَادَ الْآيَةِ فِي الشَّهَادَاتِ وَإِلْزَامِ الْحُقُوقِ أَوْ إثْبَاتِ أَحْكَامِ الدِّينِ وَالْفِسْقِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ جِهَةِ الدِّينِ وَالِاعْتِقَادِ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لَا يُوجِبُ الْعِلْمَ إذْ لَوْ كَانَ يُوجِبُ الْعِلْمَ بِحَالٍ لَمَا اُحْتِيجَ فِيهِ إلَى التَّثَبُّتِ وَمِنْ النَّاسِ مِنْ يَحْتَجُّ بِهِ فِي جَوَازِ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ وَيَجْعَلُ تَخْصِيصَهُ الْفَاسِقَ بِالتَّثَبُّتِ فِي خَبَرِهِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ التَّثَبُّتَ فِي خَبَرِ الْعَدْلِ غَيْرُ جَائِزٍ وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا عَدَاهُ فَحُكْمُهُ بخلافه.

بَابُ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما حدثنا عبد الله ابن مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الرَّبِيعِ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ قَوْمًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانَ بَيْنَهُمْ تَنَازُعٌ حَتَّى اضْطَرَبُوا بِالنِّعَالِ وَالْأَيْدِي فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما قَالَ مَعْمَرٌ قَالَ قَتَادَةُ وَكَانَ رَجُلَانِ بَيْنَهُمَا حق تدارء فِيهِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لَآخُذَنَّهُ عَنْوَةً لِكَثْرَةِ عَشِيرَتِهِ وَقَالَ الْآخَرُ بَيْنِي وَبَيْنَك رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَنَازَعَا حَتَّى كَانَ بَيْنَهُمَا ضَرْبٌ بِالنِّعَالِ وَالْأَيْدِي وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالشَّعْبِيِّ قَالَا كَانَ قِتَالُهُمْ بِالْعِصِيِّ وَالنِّعَالِ وقال مجاهدهم الأوس والخزرج كان بينهم قتال

<<  <  ج: ص:  >  >>