للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالعصا قَالَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ اقْتَضَى ظَاهِرُ الْآيَةِ الْأَمْرَ بِقِتَالِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ حَتَّى تَرْجِعَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ وَهُوَ عُمُومٌ فِي سَائِرِ ضُرُوبِ الْقِتَالِ فَإِنْ فَاءَتْ إلَى الْحَقِّ بِالْقِتَالِ بِالْعِصِيِّ وَالنِّعَالِ لَمْ يُتَجَاوَزْ بِهِ إلَى غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ تَفِئْ بِذَلِكَ قُوتِلَتْ بِالسَّيْفِ عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ ظَاهِرُ الْآيَةِ وَغَيْرُ جَائِزٍ لِأَحَدٍ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْقِتَالِ بِالْعِصِيِّ دُونَ السِّلَاحِ مَعَ الْإِقَامَةِ عَلَى الْبَغْيِ وَتَرْكِ الرُّجُوعِ إلَى الْحَقِّ وَذَلِكَ أَحَدُ ضُرُوبِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ

وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وذلك أَضْعَفُ الْإِيمَانِ

فَأَمَرَ بِإِزَالَةِ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ السِّلَاحِ وَمَا دُونَهُ فَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ إزَالَتِهِ بِأَيِّ شَيْءٍ أَمْكَنَ وَذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ الْحَشْوِ إلَى أَنَّ قِتَالَ أَهْلِ الْبَغْيِ إنَّمَا يَكُونُ بِالْعِصِيِّ وَالنِّعَالِ وَمَا دُونَ السِّلَاحِ وَأَنَّهُمْ لَا يُقَاتَلُونَ بِالسَّيْفِ وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَيْنَا مِنْ سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ وَقِتَالِ الْقَوْمِ الَّذِينَ تَقَاتَلُوا بِالْعِصِيِّ وَالنِّعَالِ وَهَذَا لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرُوا لِأَنَّ الْقَوْمَ تَقَاتَلُوا بِمَا دُونَ السِّلَاحِ فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِقِتَالِ الْبَاغِي مِنْهُمَا وَلَمْ يُخَصِّصْ قِتَالَنَا إيَّاهُ بِمَا دُونَ السِّلَاحِ وَكَذَلِكَ نَقُولُ مَتَى ظَهَرَ لَنَا قِتَالٌ مِنْ فِئَةٍ عَلَى وَجْهِ الْبَغْيِ قَابَلْنَاهُ بِالسِّلَاحِ وَبِمَا دُونَهُ حَتَّى تَرْجِعَ إلَى الْحَقِّ وَلَيْسَ فِي نُزُولِ الْآيَةِ عَلَى حَالِ قِتَالِ الْبَاغِي لَنَا بِغَيْرِ سِلَاحٍ مَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الأمر بقتالنا إياهم مقصورا على مادون السِّلَاحِ مَعَ اقْتِضَاءِ عُمُومِ اللَّفْظِ لِلْقِتَالِ بِسِلَاحٍ وَغَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ مِنْ قاتلكم بالعصى فقاتلوه بالسلاح لم يتناقص الْقَوْلُ بِهِ فَكَذَلِكَ أَمْرُهُ إيَّانَا بِقِتَالِهِمْ إذْ كَانَ عُمُومُهُ يَقْتَضِي الْقِتَالَ بِسِلَاحٍ وَغَيْرِهِ وَجَبَ أَنْ يُجْرَى عَلَى عُمُومِهِ وَأَيْضًا قَاتَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْفِئَةَ الْبَاغِيَةَ بِالسَّيْفِ وَمَعَهُ مِنْ كُبَرَاءِ الصَّحَابَةِ وَأَهْلِ بَدْرٍ مَنْ قَدْ عُلِمَ مَكَانُهُمْ وَكَانَ محقا في قتاله لهم لم يحالف فِيهِ أَحَدٌ إلَّا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ الَّتِي قَابَلَتْهُ وَأَتْبَاعُهَا

وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمَّارٍ تَقْتُلُك الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ

وَهَذَا خَبَرٌ مَقْبُولٌ مِنْ طَرِيقِ التَّوَاتُرِ حَتَّى إنَّ مُعَاوِيَةَ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى جَحْدِهِ لَمَّا قَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَقَالَ إنَّمَا قَتَلَهُ مَنْ جَاءَ بِهِ فَطَرَحَهُ بَيْنَ أَسِنَّتِنَا رَوَاهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ وَأَهْلُ الْحِجَازِ وَأَهْلُ الشَّامِ وَهُوَ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ لِأَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ غَيْبٍ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَةِ عَلَّامِ الْغُيُوبِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إيجَابِ قِتَالِ الْخَوَارِجِ وَقَتْلِهِمْ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ مِنْهَا

حَدِيثُ أَنَسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي اخْتِلَافٌ وَفُرْقَةٌ قَوْمٌ يُحْسِنُونَ الْقَوْلَ وَيُسِيئُونَ الْعَمَلَ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>