للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصُّلْحُ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَانَ خَاصًّا فِي الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذُكِرَ مِنْ رَدِّ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ مُسْلِمًا إلَيْهِمْ أَوْ أَنْ يَكُونَ وَقَعَ بَدِيًّا عَامًّا ثُمَّ نُسِخَ عَنْ النِّسَاءِ وَهَذَا أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَنَا وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا مِنْ النِّسَاءِ عَلَيْهِمْ لأن النسخ جائز بعد التمكن مِنْ الْفِعْلِ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ الْفِعْلُ وَقَوْلُهُ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خِطَابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُرَادُ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا هَاجَرْنَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى امْتِحَانَهُنَّ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ أُرِيدَ بِهِ سَائِرُ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ غَيْبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَضْرَتِهِمْ وقَوْله تَعَالَى فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ الْمُرَادُ بِهِ الْعِلْمُ الظَّاهِرُ لَا حَقِيقَةُ الْيَقِينِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا سَبِيلَ لَنَا إلَيْهِ وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِ إخْوَةِ يُوسُفَ إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا يعنون يَعْنُونَ الْعِلْمَ الظَّاهِرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ سَرَقَ فِي الْحَقِيقَةِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ وَإِنَّمَا حَكَمُوا عَلَيْهِ بِالسَّرِقَةِ مِنْ جِهَةِ الظَّاهِرِ لَمَّا وَجَدُوا الصُّوَاعَ فِي رَحْلِهِ وَهُوَ مِثْلُ شَهَادَةِ الشُّهُودِ الَّذِينَ ظَاهِرُهُمْ الْعَدَالَةُ قَدْ تَعَبَّدَنَا اللَّهُ بِالْحُكْمِ بِهَا مِنْ طَرِيقِ الظَّاهِرِ وَحَمْلِ شَهَادَتِهِمَا عَلَى الصِّحَّةِ وَكَذَلِكَ قَبُولُ أَخْبَارِ الْآحَادِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ وَقَدْ أَلْزَمَنَا اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ قَبُولَ قَوْلِ مَنْ أَظْهَرَ لَنَا الْإِيمَانُ وَالْحُكْمَ بِصِحَّةِ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ وَهَذَا أَصْلٌ فِي تَصْدِيقِ كُلِّ مَنْ أَخْبَرَ عَمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ حَالِهِ مِثْلُ الْمَرْأَةِ إذَا أَخْبَرَتْ عَنْ حَيْضِهَا وَطُهْرِهَا وَحَبَلِهَا وَمِثْلُ الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا حِضْتِ أَوْ قَالَ إذَا طَهُرْتِ فَيَكُونُ قَوْلُهَا مَقْبُولًا فِيهِ وَقَالَ عَطَاءُ ابن أَبِي رَبَاحٍ وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ فقال عطاء ما علمنا إيمانهم إلَّا بِمَا ظَهَرَ مِنْ قَوْلِهِنَّ وَقَالَ قَتَادَةُ امْتِحَانُهُنَّ مَا خَرَجْنَ إلَّا لِلدِّينِ وَالرَّغْبَةِ فِي الْإِسْلَامِ وَحُبِّ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ.

بَابُ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ الْآيَةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ضُرُوبٌ مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَاخْتِلَافُ الدَّارَيْنِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ وَالْآخَرُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُهَاجِرَةَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ قَدْ صَارَتْ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ وَزَوْجُهَا بَاقٍ عَلَى كُفْرِهِ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ بِهِمَا الدَّارَانِ وَحَكَمَ اللَّهُ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>