للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ الْفَرْضِ لَوَجَبَ أَنْ يُجْزِيَهُ عَمَّا نَوَى كصيام سائر الأيام عَمَّا نَوَى فَإِنْ قِيلَ إنَّ صَلَاةَ الظُّهْرِ مُسْتَحَقَّةُ الْعَيْنِ لِهَذَا الْوَقْتِ إذَا بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارُ مَا يُصَلِّي فِيهِ الظُّهْرَ وَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ جَوَازَهَا بِنِيَّةِ النَّفْلِ قِيلَ لَهُ وَقْتُ الظُّهْرِ غَيْرُ مُسْتَحَقِّ الْعَيْنِ لِفِعْلِهَا لِأَنَّهُ يَتَّسِعُ لِفِعْلِهَا وَلِغَيْرِهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَآخِرِهِ فَإِذَا كَانَ فِعْلُ التَّطَوُّعِ فِي أَوَّلِهِ لَا يُجْزِي عَنْ الْفَرْضِ كَذَلِكَ فِي آخِرِهِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إذَا نَوَى بِصَلَاتِهِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ تَطَوُّعًا أَوْ فَرْضًا غَيْرَهُ كَانَ كَمَا نَوَى وَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ صَوْمَ عَيْنِ رَمَضَانَ لَا يُجْزِي عَنْ غَيْرِهِ فَدَلَّ أَنَّهُ مُسْتَحَقُّ الْعَيْنِ لِامْتِنَاعِ جَوَازِ صَوْمٍ آخَرَ فِيهِ وَلِأَنَّهُ وَقْتٌ يَسْتَغْرِقُ الْفَرْضَ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ وَلَا تَأْخِيرُهُ عَنْهُ وَالظُّهْرُ لَهَا وَقْتٌ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا أَخَّرَهُ كَانَ جَائِزًا له فعلها فيه فَإِنْ قِيلَ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى)

يَمْنَعُ جَوَازَ صَوْمِ رَمَضَانَ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ قِيلَ لَهُ أَمَّا قَوْلُهُ صلّى الله عليه وسلم الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ لِأَنَّ فِيهِ ضَمِيرًا مُحْتَمِلًا لَمَعَانٍ مِنْ جَوَازٍ وَفَضِيلَةٍ وَهُوَ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي اللَّفْظِ وَمَتَى تَنَازَعْنَا فِيهِ اُحْتِيجَ إلَى دَلَالَةٍ فِي إثْبَاتِهِ فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَإِنَّ خَصْمَنَا يُوَافِقُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَا نَوَى مِنْ تَطَوُّعٍ وَلَا فَرْضِ غَيْرِهِ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَكُونُ تَطَوُّعًا وَلَا فَرْضًا غَيْرُ رَمَضَانَ وَهُوَ يَقُولُ لَا يَكُونُ عَنْ رَمَضَانَ وَلَا عَمَّا نَوَى فَحَصَلَ بِاتِّفَاقِ الْجَمِيعِ أَنَّ قَوْلَهُ وَلِكُلِّ امْرِئٍ ما نوى غير مستعمل على ظاهره في هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَيْضًا قَوْلُهُ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ عِنْدَ الْجَمِيعِ عَلَى حَقِيقَتِهِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ نَوَى الصَّوْمَ كَانَ صَائِمًا وَمَنْ نَوَى الصَّلَاةَ كَانَ مُصَلِّيًا وَإِنْ لَمْ يَفْعَل شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ الصَّلَاةُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ دُونَ فِعْلِهَا وَكَذَلِكَ الصَّوْمُ وَسَائِرُ الْفُرُوضِ وَالطَّاعَاتِ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ غَيْرُ مُكْتَفٍ بِنَفْسِهِ فِي إثْبَاتِ حُكْمِهِ إلَّا بِقَرِينَةٍ فَسَقَطَ احْتِجَاجُ الْمُخَالِفِ بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ الْحُكْمَ مُتَعَلِّقٌ بِمَعْنًى مَحْذُوفٍ وَيَحْتَاجُ إلَى دَلَالَةٍ فِي إثْبَاتِهِ وَمَا كَانَ هَذَا وَصْفَهُ فَالِاحْتِجَاجُ بِظَاهِرِهِ سَاقِطٌ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنَّ

قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى

يَقْتَضِي جَوَازَ صَوْمِهِ إذَا نَوَاهُ تَطَوُّعًا فَإِذَا جَازَ صَوْمُهُ وَقَعَ عَنْ الْفَرْضِ لِاتِّفَاقِنَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجُزْ عَنْ الْفَرْضِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَا نَوَى فَوَجَبَ بِقَضِيَّةِ قَوْلِهِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى إنْ يَحْصُلْ لَهُ مَا نَوَى وَإِلَّا فَقَدْ أَلْغَيْنَا حُكْمَ اللَّفْظِ رَأْسًا وَأَيْضًا مَعْلُومٌ مِنْ فَحْوَى قَوْلِهِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى مَا يَقْتَضِيهِ نِيَّتُهُ مِنْ ثَوَابِ فَرْضٍ أَوْ فَضِيلَةٍ أَوْ نَحْوِهَا فَيَسْتَحِقُّ ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>