للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَرُّوا مِنْ الطَّاعُونِ وَقَالَ عِكْرِمَةُ فَرُّوا مِنْ الْقِتَالِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَرِهَ فِرَارَهُمْ مِنْ الطَّاعُونِ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وقَوْله تَعَالَى قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ وقَوْله تَعَالَى قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وقَوْله تَعَالَى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ وَإِذَا كَانَتْ الْآجَالُ مُوَقَّتَةً مَحْصُورَةً لَا يَقَعُ فِيهَا تَقْدِيمٌ وَلَا تَأْخِيرٌ عَمَّا قَدَّرَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ فَالْفِرَارُ مِنْ الطَّاعُونِ عُدُولٌ عَنْ مُقْتَضَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الطِّيَرَةُ وَالزَّجْرُ وَالْإِيمَانُ بِالنُّجُومِ كُلُّ ذلك فرارا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي لَا مَحِيصَ لِأَحَدٍ عَنْهُ

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ جَابِرٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفِرَارُ مِنْ الطَّاعُونِ كَالْفِرَارِ مِنْ الزحف والصابر فيه كالصابر في الزحف

روى يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِير عَنْ سَعِيد بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ سَعْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَإِنْ تَكُنْ الطِّيَرَةُ فِي شَيْءٍ فَهِيَ فِي الْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ وَالدَّارِ وَإِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بأرض ولستم بِهَا فَلَا تَهْبِطُوا عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا عَنْهُ وَرُوِيَ عَنْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ فِي الطَّاعُونِ

وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحارث ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ إلَى الشَّامِ حَتَّى إذَا كَانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ التُّجَّارُ فَقَالُوا الْأَرْضُ سَقِيمَةٌ فَاسْتَشَارَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ فَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ فَعَزَمَ عَلَى الرُّجُوعِ فَقَالَ لَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرَ لَوْ غَيْرُك يَقُولُهَا يَا أَبَا عُبَيْدَة نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إلَى قَدَرِ اللَّهِ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ لَك إبِلٌ فَهَبَطْت بِهَا وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ أحدهما خَصِيبَةٌ وَالْأُخْرَى جَدِيبَةٌ أَلَسْت إنْ رَعَيْت الْخَصِيبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ وَإِنْ رَعَيْت الْجَدِيبَةَ رَعَيْتهَا بِقَدَرِ اللَّهِ فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَقَالَ عِنْدِي مِنْ هَذَا عِلْمٌ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إذَا سَمِعْتُمْ بِهِ فِي أَرْضٍ فَلَا تَقْدُمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ وَانْصَرَفَ

فَفِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ النَّهْيُ عَنْ الْخُرُوجِ عَنْ الطَّاعُونِ فِرَارًا مِنْهُ وَالنَّهْيُ عَنْ الْهُبُوطِ عَلَيْهِ أَيْضًا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ إذَا كَانَتْ الْآجَالُ مُقَدَّرَةً مَحْصُورَةً لَا تَتَقَدَّمُ وَلَا تَتَأَخَّرُ عَنْ وَقْتِهَا فَمَا وَجْهُ نَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ دُخُولِ أَرْضٍ بِهَا الطَّاعُونُ وَهُوَ قَدْ مَنَعَ الْخُرُوجَ مِنْهَا بَدِيًّا لِأَجْلِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ دُخُولِهَا وَبَيْنَ الْبَقَاءِ فِيهَا قِيلَ لَهُ إنَّمَا وَجْهُ النَّهْيِ أَنَّهُ إذَا دَخَلَهَا وَبِهَا الطَّاعُونُ فَجَائِزٌ أَنْ تُدْرِكَهُ مَنِيَّتُهُ وَأَجَلُهُ بِهَا فَيَقُولُ قَائِلٌ لَوْ لَمْ يَدْخُلْهَا مَا مَاتَ فَإِنَّمَا نَهَاهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>