للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعُمُومِ جَارٍ فِيهِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْوُقُوفُ فِيمَا شَكَكْنَا أَنَّهُ رِبًا أَوْ لَيْسَ بِرِبًا فَأَمَّا مَا تَيَقَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِرِبًا فَغَيْرُ جَائِزٍ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ بِآيَةِ تَحْرِيمِ الرِّبَا وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا حِكَايَةً عَنْ الْمُعْتَقِدِينَ لِإِبَاحَتِهِ مِنْ الْكُفَّارِ فَزَعَمُوا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الزِّيَادَةِ الْمَأْخُوذَةِ عَلَى وَجْهِ الرِّبَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَرْبَاحِ الْمُكْتَسَبَةِ بِضُرُوبِ الْبِيَاعَاتِ وَجَهِلُوا مَا وَضَعَ اللَّهُ أَمْرَ الشَّرِيعَةِ عَلَيْهِ مِنْ مَصَالِحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا فَذَمَّهُمْ اللَّهُ عَلَى جَهْلِهِمْ وَأَخْبَرَ عَنْ حَالِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَا يَحِلُّ بِهِمْ مِنْ عِقَابِهِ قَوْله تَعَالَى وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ يُحْتَجُّ بِهِ فِي جَوَازِ بَيْعِ مَا لَمْ يَرَهُ الْمُشْتَرِي وَيُحْتَجُّ فِيمَنْ اشْتَرَى حِنْطَةً بِحِنْطَةٍ بِعَيْنِهَا مُتَسَاوِيَةً أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ وُرُودِ اللَّفْظِ لُزُومُ أَحْكَامِ الْبَيْعِ وَحُقُوقِهِ مِنْ الْقَبْضِ وَالتَّصَرُّفِ وَالْمِلْكِ وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ فَاقْتَضَى ذَلِكَ بقاء هذه الأحكام مع ترك التقابض وهو كقوله تعالى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ الْمُرَادُ تَحْرِيمُ الِاسْتِمْتَاعِ بِهِنَّ وَيُحْتَجُّ أَيْضًا لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا مَا اقْتَضَاهُ مِنْ إبَاحَةِ الْأَكْلِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَبَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ وَالْآخَرِ إبَاحَةِ أَكْلِهِ لِمُشْتَرِيهِ قَبْلَ قَبْضِ الْآخَرِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ فَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ مَنْ انْزَجَرَ بَعْدَ النَّهْي فَلَهُ مَا سَلَفَ مِنْ الْمَقْبُوضِ قَبْلَ نُزُولِ تَحْرِيمِ الرِّبَا وَلَمْ يُرِدْ بِهِ مَا لَمْ يَقْبِضْ لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ فِي نَسَقِ التِّلَاوَةِ حَظْرَ مَا لَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ وَإِبْطَالَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَأَبْطَلَ اللَّهُ مِنْ الرِّبَا مَا لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا وَإِنْ كَانَ مَعْقُودًا قَبْلَ نُزُولِ التَّحْرِيمِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْ بِالْفَسْخِ مَا كَانَ مِنْهُ مَقْبُوضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ السُّدِّيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ وَقَالَ تَعَالَى وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَأَبْطَلَ مِنْهُ مَا بَقِيَ مِمَّا لَمْ يُقْبَضْ وَلَمْ يُبْطِلْ الْمَقْبُوضَ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ وَهُوَ تَأْكِيدٌ لِإِبْطَالِ مَا لَمْ يُقْبَضْ مِنْهُ وَأَخْذِ رَأْسِ الْمَالِ الَّذِي لَا رِبَا فِيهِ وَلَا زِيَادَةَ

وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمَكَّةَ وقال جابر بعرفات إن كل ربا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ مَوْضُوعٌ

وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُهُ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَكَانَ فِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَاطِئًا لِمَعْنَى الْآيَةِ فِي إبْطَالِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الرِّبَا مَا لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا وَإِمْضَائِهِ مَا كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>