للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بُشِّرَ وَالْبَشَرَةُ هِيَ ظَاهِرُ الْجِلْدِ فَأَضَافَتْ الْمَلَائِكَةُ الْبِشَارَةَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَكَانَ اللَّهُ هُوَ مُبَشِّرُهَا وَإِنْ كَانَتْ الْمَلَائِكَةُ خَاطَبُوهَا وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ قَالَ إنْ بَشَّرْت فُلَانًا بِقُدُومِ فُلَانٍ فَعَبْدِي حَرٌّ فَقَدِمَ وَأَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا يُخْبِرُهُ بِقُدُومِهِ فَقَالَ لَهُ الرَّسُولُ إنَّ فُلَانًا يَقُولُ لَك قَدْ قَدِمَ فُلَانٌ أَنَّهُ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ الْمُرْسِلَ هُوَ الْمُبَشِّرُ دُونَ الرَّسُولِ وَلِأَجْلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَضَمُّنِ الْبِشَارَةِ إحداث السرور قال أصحابنا إن الْمُبَشِّرَ هُوَ الْمُخْبِرُ الْأَوَّلُ وَإِنَّ الثَّانِيَ لَيْسَ بِمُبَشِّرٍ لِأَنَّهُ لَا يَحْدُثُ بِخَبَرِهِ سُرُورٌ وَقَدْ تُطْلَقُ الْبِشَارَةُ وَيُرَادُ بِهَا الْخَبَرُ فَحَسْبُ كَقَوْلِهِ تعالى فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ قوله تعالى بِكَلِمَةٍ مِنْهُ قَدْ قِيلَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ لَمَّا خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ وَالِدٍ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فَلَمَّا كَانَ خَلْقُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ غَيْرِ وَالِدٍ أَطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمَ الْكَلِمَةِ مَجَازًا كما قال وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَمَّا بَشَّرَ بِهِ فِي الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ أَطْلَقَ عَلَيْهِ الِاسْمَ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ اللَّهَ يَهْدِي بِهِ كَمَا يَهْدِي بِكَلِمَتِهِ

قَوْله تَعَالَى فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ الِاحْتِجَاجُ الْمُتَقَدِّمُ لِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى النَّصَارَى فِي قَوْلِهِمْ إنَّ الْمَسِيحَ هُوَ ابْنُ اللَّهِ

وَهُمْ وَفْدُ نَجْرَانَ وَفِيهِمْ السَّيِّدُ وَالْعَاقِبُ قَالَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ رَأَيْت وَلَدًا مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ

وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ فِيمَا حَكَى عَنْ الْمَسِيحِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ- إلى قوله تعالى- إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْإِنْجِيلِ لِأَنَّ فِيهِ إنِّي ذَاهِبٌ إلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلَهِي وَإِلَهِكُمْ وَالْأَبُ السَّيِّدُ فِي تِلْكَ اللُّغَةِ أَلَا تَرَاهُ قَالَ وَأَبِي وَأَبِيكُمْ فَعَلِمْت أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْأُبُوَّةَ الْمُقْتَضِيَةَ لَلْبُنُوَّةِ فَلَمَّا قَامَتْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ بِمَا عَرَفُوهُ وَاعْتَرَفُوا بِهِ وَأَبْطَلَ شُبْهَتَهُمْ فِي قَوْلِهِمْ إنَّهُ وَلَدٌ مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ بِأَمْرِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ دَعَاهُمْ حِينَئِذٍ إلَى الْمُبَاهَلَةِ فَقَالَ تَعَالَى فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ الْآيَةَ فَنَقَلَ رُوَاةُ السِّيَرِ وَنَقْلَةُ الْأَثَرِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ

أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ثُمَّ دَعَا النَّصَارَى الَّذِينَ حَاجُّوهُ إلَى الْمُبَاهَلَةِ فَأَحْجَمُوا عَنْهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إنْ بَاهَلْتُمُوهُ اضْطَرَمَ الْوَادِي عَلَيْكُمْ نَارًا وَلَمْ يَبْقَ نَصْرَانِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيَّةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ

وَفِي هَذِهِ الْآيَاتِ دَحْضُ شُبَهِ النَّصَارَى فِي أَنَّهُ إلَهٌ أَوْ ابْنُ الْإِلَهِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم لَوْلَا أَنَّهُمْ عَرَفُوا يَقِينًا أَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>