للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُعَلَّقَةٍ تَحْتَ الْعَرْشِ

وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَسَنِ وَعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ وَأَبِي حُذَيْفَةَ وَوَاصِلِ بْنِ عَطَاءٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِ التَّنَاسُخِ فِي شَيْءٍ لِأَنَّ الْمُنْكَرَ فِي ذَلِكَ رُجُوعُهُمْ إلَى دَارِ الدُّنْيَا فِي خِلَقٍ مُخْتَلِفَةٍ وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُ أَمَاتَهُمْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ فِي قَوْلِهِ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ وَأَخْبَرَ أَنَّ إحْيَاءَ الْمَوْتَى مُعْجِزَةٌ لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَكَذَلِكَ يُحْيِيهِمْ بَعْدَ الْمَوْتِ وَيَجْعَلُهُمْ حَيْثُ يشاء وقوله تعالى عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ مَعْنَاهُ حَيْثُ لَا يَقْدِرُ لَهُمْ أَحَدٌ عَلَى ضُرٍّ وَلَا نَفْعٍ إلَّا رَبُّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ وَلَيْسَ يَعْنِي بِهِ قُرْبَ الْمَسَافَةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْقُرْبُ وَالْبُعْدُ بِالْمَسَافَةِ إذْ هُوَ مِنْ صِفَةِ الْأَجْسَامِ وَقِيلَ عِنْدَ رَبِّهِمْ مِنْ حَيْثُ يَعْلَمُهُمْ هُوَ دُونَ النَّاسِ.

قَوْله تَعَالَى الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ الْآيَةَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ وَابْنِ إِسْحَاقَ إنَّ الَّذِينَ قَالُوا كَانُوا رَكْبًا وَبَيْنَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ لِيَحْبِسُوهُمْ عِنْدَ مُنْصَرِفِهِمْ مِنْ أُحُدٍ لَمَّا أَرَادُوا الرُّجُوعَ إلَيْهِمْ وَقَالَ السُّدِّيُّ هُوَ أَعْرَابِيٌّ ضَمِنَ لَهُ جُعْلًا عَلَى ذَلِكَ فَأَطْلَقَ اللَّهُ تَعَالَى اسْمِ النَّاسِ عَلَى الْوَاحِدِ عَلَى قَوْلِ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا وَاحِدًا فَهَذَا عَلَى أَنَّهُ أَطْلَقَ لَفْظَ الْعُمُومِ وَأَرَادَ بِهِ الْخُصُوصَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ لَمَّا كَانَ النَّاسُ اسْمًا لِلْجِنْسِ وَكَانَ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا ذَلِكَ تَنَاوَلَ ذَلِكَ أَقَلَّهُمْ وَهُوَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ لَفْظُ الْجِنْسِ وَعَلَى هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ قَالَ إنْ كَلَّمْت النَّاسَ فَعَبْدِي حَرٌّ إنَّهُ عَلَى كَلَامِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ لَفْظُ الْجِنْسِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ اسْتِغْرَاقَ الْجِنْسِ فَيَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ وقَوْله تَعَالَى فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً فِيهِ إخْبَارٌ بِزِيَادَةِ يَقِينِهِمْ عِنْدَ زِيَادَةِ الْخَوْفِ وَالْمِحْنَةِ إذْ لَمْ يَبْقَوْا عَلَى الْحَالِ الْأُولَى بَلْ ازْدَادُوا عِنْدَ ذَلِكَ يَقِينًا وَبَصِيرَةً فِي دِينِهِمْ وَهُوَ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْأَحْزَابِ وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً فَازْدَادُوا عِنْدَ مُعَايَنَةِ الْعَدُوِّ إيمَانًا وَتَسْلِيمًا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّبْرِ عَلَى جِهَادِهِمْ وَفِي ذَلِكَ أَتَمُّ ثَنَاءً عَلَى الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَكْمَلُ فَضِيلَةً وَفِيهِ تَعْلِيمٌ لَنَا أَنْ نَقْتَدِيَ بِهِمْ وَنَرْجِعَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ وَالصَّبْرِ عَلَيْهِ وَالِاتِّكَالِ عَلَيْهِ وَأَنْ نَقُولَ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَأَنَّا مَتَى فَعَلْنَا ذَلِكَ أَعْقَبَنَا ذَلِكَ مِنْ اللَّهِ النَّصْرُ وَالتَّأْيِيدُ وَصَرْفُ كَيَدِ الْعَدُوِّ وَشَرِّهِمْ مَعَ حِيَازَةِ رِضْوَانِ اللَّهِ وَثَوَابِهِ

بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ

وقَوْله تَعَالَى وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>