للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَوْلٌ ظَاهِرُ الِاخْتِلَالِ بَعِيدٌ مِنْ مَعَانِي الْفِقْهِ مُنْتَقَضٌ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَا ذَكَرَهُ عِلَّةً لِنَفْيِ التَّصْدِيقِ لَوَجَبَ أَنْ لَا يُصَدَّقَ الْقَاضِي إذَا قَالَ لِلْيَتِيمِ قَدْ دَفَعْته إلَيْك لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنْهُ وَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ فِي الْأَبِ إذَا قَالَ بَعْدَ بُلُوغِ الصَّغِيرِ قَدْ دَفَعْت إلَيْك مَالَك أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنْهُ وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا أَنْ يُوجِبَ عَلَيْهِمْ الضَّمَانَ إذَا تَصَادَقُوا بَعْدَ الْبُلُوغِ أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ لِأَنَّهُ أَمْسَكَ مَالَهُ مِنْ غَيْرِ ائْتِمَانٍ لَهُ عَلَيْهِ وَأَمَّا تَشْبِيهُهُ إيَّاهُ بِالْوَكِيلِ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَى غَيْرِهِ فَتَشْبِيهٌ بَعِيدٌ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي صَدَّقْنَا فِيهِ الْوَصِيُّ لِأَنَّ الْوَكِيلَ مُصَدَّقٌ أَيْضًا فِي بَرَاءَةِ نَفْسِهِ غَيْرُ مُصَدَّقٍ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ وَدَفْعِهِ إلَى غَيْرِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَى الْمَأْمُورِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ فَأَمَّا فِي بَرَاءَةِ نَفْسِهِ فَهُوَ مُصَدَّقٌ كَمَا صَدَّقْنَا الْوَصِيَّ عَلَى الرَّدِّ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْوَصِيَّ فِي مَعْنَى مَنْ يَتَصَرَّفُ عَلَى الْيَتِيمِ بِإِذْنِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَى كَجَوَازِ تَصَرُّفِ أَبِيهِ فَإِذَا كَانَ إمْسَاكُ الْوَصِيِّ الْمَالَ بِائْتِمَانِ الْأَبِ لَهُ عَلَيْهِ وَإِذْنِ الْأَبِ جَائِزٌ عَلَى الصَّغِيرِ صَارَ كَأَنَّهُ مُمْسِكٌ لَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ بِإِذْنِهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُودَعِ

وقَوْله تَعَالَى لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ الْآيَةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ انْتَظَمَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ عُمُومًا وَمُجْمَلًا فَأَمَّا الْعُمُومُ فَقَوْلُهُ لِلرِّجَالِ وَلِلنِّسَاءِ وقَوْله تَعَالَى مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ فلذلك عموم في إيجاب الميراث للرجال وللنساء مِنْ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ فَدَلَّ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ عَلَى إثْبَاتِ مَوَارِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ وَالْأَخْوَالَ وَأَوْلَادَ الْبَنَاتِ مِنْ الْأَقْرَبِينَ فَوَجَبَ بِظَاهِرِ الْآيَةِ إثْبَاتُ مِيرَاثِهِمْ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ قوله نَصِيبٌ مُجْمَلًا غَيْرَ مَذْكُورِ الْمِقْدَارِ فِي الْآيَةِ امْتَنَعَ استعمال حكمه إلا أنه ورود بَيَانٍ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا أَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِظَاهِرِ الآية في إثبات ميراث ما لِذَوِي الْأَرْحَامِ سَائِغٌ وَهَذَا مِثْلُ قَوْله تَعَالَى خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً وقَوْله تَعَالَى أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وقوله تعالى وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ عَطْفًا عَلَى مَا قُدِّمَ ذِكْرُهُ مِنْ الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ فَهَذِهِ أَلْفَاظٌ قَدْ اشْتَمَلَتْ عَلَى الْعُمُومِ وَالْمُجْمَلِ فَلَا يَمْنَعُ مَا فِيهَا مِنْ الْإِجْمَالِ مِنْ الِاحْتِجَاجِ بِعُمُومِهَا مَتَى اخْتَلَفْنَا فِيمَا انْتَظَمَهُ لَفْظُ الْعُمُومِ وَهُوَ أَصْنَافُ الْأَمْوَالِ الْمُوجَبِ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ الِاحْتِجَاجُ بِمَا فِيهَا مِنْ الْمُجْمَلِ عِنْدَ اخْتِلَافِنَا فِي الْمِقْدَارِ الْوَاجِبِ كَذَلِكَ مَتَى اخْتَلَفْنَا فِي الْوَرَثَةِ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْمِيرَاثِ سَاغَ الِاحْتِجَاجُ بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ الآية

<<  <  ج: ص:  >  >>