للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُنْذَرِينَ قَبُولَ قَوْلِهِمْ فَجَازَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ إطْلَاقُ اسْمِ أُولِي الْأَمْرِ عَلَيْهِمْ وَالْأُمَرَاءُ أَيْضًا يُسَمُّونَ بِذَلِكَ لِنَفَاذِ أُمُورِهِمْ عَلَى مَنْ يَلُونَ عَلَيْهِ وقَوْله تَعَالَى لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ

فَإِنَّ الِاسْتِنْبَاطَ هُوَ الِاسْتِخْرَاجُ وَمِنْهُ اسْتِنْبَاطُ الْمِيَاهِ وَالْعُيُونِ فَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّ مَا اُسْتُخْرِجَ حَتَّى تَقَعَ عَلَيْهِ رُؤْيَةُ الْعُيُونِ أَوْ مَعْرِفَةُ الْقُلُوبِ وَالِاسْتِنْبَاطُ فِي الشَّرْعِ نَظِيرُ الِاسْتِدْلَالِ وَالِاسْتِعْلَامِ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى وُجُوبِ الْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ وَاجْتِهَادِ الرَّأْيِ فِي أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِرَدِّ الْحَوَادِثِ إلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَيَاتِهِ إذَا كَانُوا بِحَضْرَتِهِ وَإِلَى الْعُلَمَاءِ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَالْغَيْبَةِ عَنْ حَضْرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا لَا مَحَالَةَ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِنْبَاطِهِ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ مَا هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ وَمِنْهَا مَا هُوَ مُودَعٌ فِي النَّصِّ قَدْ كلفنا الوصول إلى الاستدلال عَلَيْهِ وَاسْتِنْبَاطِهِ فَقَدْ حَوَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مَعَانِيَ مِنْهَا أَنَّ فِي أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ مَا لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ بَلْ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ وَمِنْهَا أَنَّ عَلَى الْعُلَمَاءِ اسْتِنْبَاطَهُ وَالتَّوَصُّلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ بِرَدِّهِ إلَى نَظَائِرِهِ مِنْ الْمَنْصُوصِ وَمِنْهَا أَنَّ الْعَامِّيَّ عَلَيْهِ تَقْلِيدُ الْعُلَمَاءِ فِي أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ وَمِنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ مُكَلَّفًا بِاسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ وَالِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهَا بِدَلَائِلِهَا لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالرَّدِّ إلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ ثُمَّ قَالَ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَمْ يَخُصَّ أُولِي الْأَمْرِ بِذَلِكَ دُونَ الرَّسُولِ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْجَمِيعِ الِاسْتِنْبَاطَ وَالتَّوَصُّلَ إلَى مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ بِالِاسْتِدْلَالِ فَإِنْ قِيلَ ليس هذا استنباطا في أحكام الحوادث وإنما هُوَ فِي الْأَمْنِ وَالْخَوْفِ مِنْ الْعَدُوِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ فَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي شَأْنِ الْأَرَاجِيفِ الَّتِي كَانَ الْمُنَافِقُونَ يَرْجُفُونَ بِهَا فَأَمَرَهُمْ اللَّهُ بِتَرْكِ الْعَمَلِ بِهَا وَرَدِّ ذَلِكَ إلَى الرَّسُولِ وَإِلَى الْأُمَرَاءِ حَتَّى لَا يُفْتُوا فِي أَعْضَادِ الْمُسْلِمِينَ إنْ كان شيئا يُوجِبُ الْخَوْفَ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يُوجِبُ الْأَمْنَ لِئَلَّا يَأْمَنُوا فَيَتْرُكُوا الِاسْتِعْدَادَ لِلْجِهَادِ وَالْحَذَرِ مِنْ الْكُفَّارِ فَلَا دَلَالَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِنْبَاطِ فِي أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ قِيلَ لَهُ قَوْله تَعَالَى وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ لَيْسَ بِمَقْصُورٍ عَلَى أَمْرِ الْعَدُوِّ لِأَنَّ الْأَمْنَ وَالْخَوْفَ قَدْ يَكُونَانِ فِيمَا يَتَعَبَّدُونَ بِهِ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ فِيمَا يُبَاحُ وَيُحْظَرُ وَمَا يَجُوزُ وَمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ الْأَمْنِ وَالْخَوْفِ فَإِذَا لَيْسَ فِي ذِكْرِهِ الْأَمْنُ وَالْخَوْفُ دَلَالَةٌ عَلَى وُجُوبِ الِاقْتِصَارِ بِهِ عَلَى مَا يتفق من

<<  <  ج: ص:  >  >>