للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على هذا، أولى منه على الإفاضة من عرفة، لأن الإفاضة من عرفة، قد تقدم ذكرها، فلا وجه لإعادتها.

ويبعد أن يقول: (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ، فَاذْكُرُوا اللَّهَ) بعد الإفاضة من المشعر الحرام، ثم أفيضوا من عرفات.

وغاية ما قيل في القول الآخر: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) ، عائد إلى الكلام الأول، وهو الخطاب بذكر الحج ومناسكه، ثم قال: أيها المأمورون بالحج من قريش- بعد ما تقدم ذكرنا له- أفيضوا من حيث أفاض الناس، فيكون ذلك راجعا إلى صلة خطاب المأمورين، وهو كقوله تعالى:

(ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) «١» .

والمعنى: ثم بعد ما ذكرنا لكم، أخبركم أنا أتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن.

ويعترض عليه، أن ذكر الإفاضة إذا تقدم وعقب بعده بنسك آخر، يقتضي الإفاضة، فلا يحسن أن يذكر بكلمة ثم ما يرجع على الإفاضة من الذي تقدم، دون أن يرجع إلى ما يليه.

وقد قيل: إن ثم بمعنى الواو، ولا يبعد أن يقول: (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) ، (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) ، مثل قوله تعالى: (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) «٢» .. ومعناه: وكان من الذين آمنوا، (ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ) «٣» ومعناه «والله شهيد» .


(١) سورة الأنعام آية ١٥٤.
(٢) سورة البلد آية ١٧.
(٣) سورة يونس من الآية ٤٦.