للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأطاع قوم قليل عددهم، فلم يزيدوا على الاغتراف ضابطين لأنفسهم، فأبانوا بذلك عن ضبطهم لأنفسهم، وصبرهم في الشدائد، وقوى الله بذلك قلوبهم.

وليس حكم اليمين مأخوذا من هذا الجنس، بل هو مأخوذ من دلالة اللفظ، يدل عليه أن الآية حجة عليهم من وجه آخر، فإنه قال: (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ) (إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) ، فاستثنى المغترف من الشارب، ولو لم يكن اللفظ الأول دالا عليه، لما صح الاستثناء منه إلا بتقدير، كونه استثناء منقطعا، وظاهر الاستثناء يدل على خلافه.

قوله تعالى: (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) (٢٥٦) :

قال كثير من المفسرين: هو منسوخ بآية القتال «١» .

وروي عن الحسن وقتادة، أنها خاصة في أهل الكتاب الذين يقرون على الجزية، دون مشركي العرب، فإنهم لا يقرون على الجزية، ولا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف «٢» .

وكل ذلك محتمل، يجوز أن يكون قد نزل قبل الأمر بالقتال، فلما لاح عنادهم، أمر المسلمون بقتالهم..

نعم، مشركو العرب والعجم، لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف، وكذلك المرتد..

فإن قال قائل: فما معنى إكراههم على الإسلام، وأن لا يقبل منهم


(١) وهي على ما روي عن ابن مسعود، والضحاك والسدي وسليمان بن موسى، في قوله تعالى في سورة التوبة آية ٧٣ وسورة التحريم آية ٩: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ... ) وقوله تعالى في سورة التوبة آية ٥: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) .
(٢) ذكره الجصاص ج ٢ ص ١٦٨.