للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقتل محرم عند زوال هذه الحالة لأنه لو قال: «ولا تقتلوا أولادكم» مطلقا، أو قال: «ولا تقتلوا أولادكم حال غناكم، لأمكن أن يتوهم جواز ذلك حالة الشقاق والإملاق، لئلا يشقى المولود له في تربيته فقال:

(لا تقتلوهنّ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) لعذر الإملاق، (نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) ، فهذا يسمى التنبيه.

ومثله قوله تعالى: (لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً) «١» ، فحرم الربا، وإن كان له فيه النفع الكثير، فإذا لم يجوز لغرض عظيم، فتحريمه لما دونه أولى.

وقال: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ) «٢» ، ليس أنه يتصور أن يقوم عليه برهان، ولكن المشركين قالوا لا نترك ديننا ودين آبائنا، فذم التقليد واتباع السلف وترك البرهان والإعراض عن الدليل.

ففي أمثال ذلك يجوز تخصيص إحدى الحالتين، تنبيها على ما هو الأولى بالحكم المذكور من الحالة الأخرى.

أما ها هنا فإنما تعرض لحالة الضرورة في جواز النكاح، فلا يقال حال عدم الحاجة أولى بجواز نكاح الأمة، والأمة في هذا المعنى أوفى من الحرة، فإذا تبين ذلك، فذكر حالة الحاجة تنبيه على جعل الحاجة علة الإباحة، فإذا لم توجد الحاجة تحرم، فإن الذي يفهم من ثبوت الحاجة، وأن ثبوته كان لأجلها، يعلم انتفاؤه عند عدم الحاجة، وهذا مقطوع به.

وإنما ذكرنا هذه الأمثلة، وأجبنا عليها لأن الرازي «٣» لم ير لهذه


(١) سورة آل عمران، آية ١٣٠.
(٢) سورة المؤمنون، آية ١١٧.
(٣) أبو بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص، صاحب كتاب «أحكام القرآن» الذي نشر في خمسة أجزاء بدار المصحف لصاحبها عبد الرحمن محمد.