للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الساعي بالفساد، على ما ذكر مجرى الساعي بالفساد، إذا ضم إلى سعيه في الأرض بالفساد القتل وأخذ المال، وقد وجد من القاتل وآخذ المال ما لم يوجد من الذي لم يقتل.. من قطع الطريق والفساد في الأرض والزيادة فلم سوى بينهما؟

ولو استوى حكمهما، لم يجز إسقاط القتل عنه، كما لم يجز إسقاطه عمن قتل، وإسقاط القطع عمن أخذ المال، وهذا لا جواب عنه.

فإن قيل: القاتل لا يختص، قلنا غلطتم، فإن لقطع الطريق أثرا في تغليظ جريمته، حتى لا تسقط بعفو المستحق، ويزداد بقطع الطريق قطع اليد والرجل معه، فلم يسقط.

نعم إذا تابوا من قبل أن نقدر عليهم، سقط ما يتعلق بقطع الطريق، وبقي ما تعلق بحق الآدمي، ولأن المراد بقوله (أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ) ، أي فساد يجوز القتل معه، أو قتله في حالة إظهار الفساد على وجه الدفع، وإنما الكلام في الذي صار في يد الإمام. فقوله: (أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ) ، محمول على هذا، وإلا فلو كان الفساد في الأرض عديل القتل، ما جاز إسقاط القتل بالنفي، كما لا يجوز إذا قتل أن يقتصر في حقه على النفي.

قوله تعالى: (ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) «١» :

يدل على أن إقامة الحد لا تكون كفارة لذنوبه، وقد قال في كفارة القتل (تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ) «٢» ، وذلك أن الكفارة يأتي بها المكفر على طوع ورغبة، فتقترن بها التوبة غالبا. أما الحد، فإنما يقام عليه قهرا، دون


(١) سورة المائدة آية ٣٣. انظر تفسير القرطبي
(٢) سورة النساء آية ٩٢.