للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا سرق فقطعت يده، ثم عاد وسرق ذلك الشيء نفسه قطعت رجله عندنا، خلافا لأبي حنيفة، ولا يتعلق به من جهة العموم، فإن الذي دل عليه العموم قطع اليد، والواجب في الكرة الثانية قطع الرجل، لم يتعلق به من حيث التعليل، وأن الثاني إذا كان مثل الأول، وتعلق به ما تعلق بالأول، أو مثل ما تعلق بالأول، فيكون الاحتجاج بالعلة، لا بالاسم، فليعرف العارف هذه المراتب ما يصح الاحتجاج منه بالعموم، وما يحتج فيه بالمفهوم من الاسم.

واعلم أن الذي يجب على السارق من القطع، يجب جزاء على الفعل أو زجرا، فالشرع اعتنى ببيانه وإيضاح حكمه، ولم يتعرض للضمان الذي لا يرجع إلى الفعل، ولا يتعلق به، وإنما هو بدل عن المحل، كما أوجب على الزاني الجلد، ولم يتعرض للمهر، وأوجب على قاطع الطريق القتل، ولم يتعرض للدية من بعد التوبة في قوله: (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) ، لأن ذلك حوالة على بيان آخر «١» .

قوله تعالى: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) الآية (٤٢) .

أصل السحت الاستئصال، يقال أسحته إسحاتا إذا استأصله وأذهبه.

قال الله تعالى: (فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ) «٢» : أي يستأصلكم، ويقال أسحت ماله إذا أفسده، فسمى الحرام سحتا لأنه لا بركه لأهله فيه، ويهلك به صاحبه هلاك الاستئصال، فأخذ الرشوة على الحكم غاية المحظور من الرشوة، فإنه يجب عليه إظهار الحق فيأخذ الرشوة، ومن أجله منع الشافعي الصلح على الإنكار، لأن الذي ينكر إذا جعل القول قوله، فكأنه بما يبذله من المال ينبغي رفع الظلم عن نفسه، فكان كالرشوة على فعل واجب أو رفع ظلمه.


(١) انظر بحث آية السرقة في روائع البيان.
(٢) سورة طه آية ٦١.