للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعني إذا استحلوا منكم فاستحلوا منهم مثله.

وروي عن ابن عباس والربيع بن أنس والضحاك، أن قريشا لما ردت رسول الله عام الحديبية- محرما في ذي القعدة- عن البلد الحرام فأعاده الله إليه في مثل ذلك الوقت فقضى عمرته، وأقصه لما حيل بينه وبينه في يوم الحديبية «١» ، فيكون على هذا التقدير إخبارا بما أقصه الله تعالى من الشهر الحرام، الذي صده المشركون فيه عن البيت بشهر مثله في العام القابل، ويتضمن مع ذلك أمرا بالقتال.

فإن قيل: إنه إذا حمل اللفظ على حقيقة الجزاء انتفى كونه أمرا، فيقال:

يجوز أن يكون الإخبار حاصلا في تعويض الله تعالى نبيه من فوات العمرة في الشهر الحرام، الذي صده فيه المشركون عن البيت، بشهر مثله في العام القابل، وكانت حرمة الشهر الذي أبدل كحرمة الشهر الذي فات، فلذلك قال: (وَالْحُرُماتُ «٢» قِصاصٌ) ، ثم عقب ذلك بقوله:

(فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) (١٩٤) .

فأبان أنهم إذا قاتلوهم في الشهر الحرام، فعليهم أن يقاتلوهم فيه، وإن لم يجز الابتداء..

ويحتمل أن يكون الابتداء جزاء على ما كان من سابق فعلهم في


(١) أنظر تفسير الطبري ج ٢ ص ١٩٦، والقرطبي ج ٢ ص ٣٥٤، ومعنى وأقصه:
مكنه من القصاص.
(٢) الحرمات جمع حرمة، وهي: ما يحفظ ويرعى ولا ينتهك. والقصاص: المساواة بأن يعامل غيره بمثل ما يعامله به في هذا المجال.