للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن من أعظم المطالب العقدية ومن أهم أصول المنهج التاريخي السليم - معاً - أن نعرف الأسباب الحقيقية لتفرق الأمة الإسلامية وخط السير الواقعي لنمو هذه الفرق وتشعبها وهو ما سوف نحاول إيضاحه بقدر ما يسمح المقام.

إن معركة صفين نشبت والأمة على منهج اعتقادي واحد يدين به كلاً المعسكرين المتحاربين وهو منهج أهل السنة والجماعة، أي ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين ثبتوا جميعاً على الهدى وما بدلوا تبديلاً "وإنما كانت النخالة فيمن بعدهم".

ولكنها انتهت بظهور معسكر ثالث ذي بدعة اعتقادية ضالة، وهو معسكر المارقة الخوارج، وفي الوقت نفسه كان مثيرو الفتنة الأولى قد أحكموا الخطة لتأسيس دين جديد يكون بمثابة "حصان طروادة" لهدم الإسلام، وهو دين التشيع الذي أسهم ظهور الخوارج في تبرير خروجه وانتشاره، حيث كان غلو إحدى الطائفتين مبرراً لغلو الأخرى في الاتجاه المعاكس.

وإذ أصبحت المعسكرات المتحاربة ثلاثة: "أهل العراق- أهل الشام- الخوارج"؛ فقد أصبحت المناهج الاعتقادية ثلاثة: "السنة - وعليها المعسكران المتحاربان - الخروج، التشيع".

وهذا التفرق وما صحبه من صراع أدى إلى نمو بذرة الإرجاء، التي تكونت في الفتنة الأولى لتصبح منهجاً رابعاً فيما بعد (١) .

وقبل الحديث عن هذين المنهجين "الخروج والتشيع" وأثرهما في نشأة الإرجاء وتطوره لا بد من التنبيه إلى قضيتين كبريين:

الأولى: أن بعض كتب الفرق وما اقتفاها من كتب المستشرقين والمحدَثين قد وقعت في خطأ بالغ حين جعلت ما جرى يوم السقيفة هو أصل الانشقاقات والتفرق، وهولت من هذه الواقعة العادية العابرة، واستجازت تبعاً لذلك أن تنسب التشيع والإرجاء والخروج إلى الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين، وهذا عين


(١) وفي الوقت الذي ظهر فيه الإرجاء ظهر القول بالقدر، وذلك في أواخر عهد الصحابة، وبهذا ظهرت أصول فرق الضلالة الأربع وهي: "الشيعة، الخوارج، المرجئة، القدرية".
انظر: درء التعارض (٥/٢٢٤- ٣٠٢) ، ومنهاج السنة (٣/١٨٤) ، ومجموع الفتاوى (١٣/٢٧) فصاعدا.

<<  <   >  >>