للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن ذلك ما رواه الإمام أحمد عن صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى النبي (أو إلى هذا النبي) حتى نسأله عن هذه الآية «وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ» ، فقال: لا تقل نبي، فإنه إن سمعك صارت له أربعة أعين!

فسألاه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تشركوا بالله ولا تسرقوا ولا تزنوا ... " الحديث. إلى إن قال: فقبلا يديه ورجليه، وقالا: نشهد انك نبي، قال: "فما يمنعكما إن تتبعاني؟ " قالا: إن داود عليه السلام دعا ألا يزال من ذريته نبي، وإنا نخشى إن أسلمنا إن تقتلنا يهود (١) .

قال شيخ الإسلام في معرض رده علي المرجئة: " وأيضا فقد جاء نفر من اليهود إلى النبي فقالوا: نشهد انك رسول، ولم يكونوا مسلمين بذلك، لأنهم قالوا ذلك علي سبيل الإخبار عما في أنفسهم، أي نعلم ونجزم انك رسول الله، قال:" فلم لا تتبعوني؟ " قالوا: نخاف من اليهود، فعلم إن مجرد العلم والإخبار - أي عن العلم - ليس بإيمان حتى يتكلم بالإيمان على وجه الإنشاء المتضمن للالتزام والانقياد، مع تضمن ذلك الإخبار عما في أنفسهم " (٢)

وإنما " اتفق المسلمين على أنه من لم يأت بالشهادتين فهو كافر" (٣) وأن " من صدق بقلبه ولم يتكلم بلسانه فإنه لا يعلق به شىء من أحكام الإيمان لا فى الدنيا ولا فى الآخرة، ولا يدخل فى خطاب الله لعباده بقوله «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» لأنه من حيث البديهة والعقل نعلم " أن من آمن بقلبه إيمانا جازما امتنع ألا يتكلم بالشهادتين مع القدرة، فعدم الشهادتين مع القدرة مستلزم انتفاء الإيمان القلبي التام " (٤) .

ويقول شيخ الإسلام فى بيان هذه العلاقة: " ونظير هذا لو قيل: أن رجلا من أهل السنة قيل له ترض عن أبى بكر وعمر، فامتنع عن ذلك حتى قتل مع محبته لهما واعتقاد فضلهما، ومع عدم الأعذار المانعة من الترضى عنهما فهذا لا يقع قط،


(١) المسند (٤/٢٣٩) ، وذكر في الخصائص (١/٢٧٨) انه أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم وصححه والبيهقي وآبو نعيم، ورواه الطبري (١٥/١٧٢) ، وأما استشكال الحافظ ابن كثير لمتنه كما في (٥/١٢٤) فله جوابه، ولا يقدح في مرادنا هنا منه، وهو اقوي في الدلالة مما رواه مسلم عن ثوبان رقم (٣١٥) ، لان ذلك الخبر قال في أوله: " اسمع بإذنى "، فصرح بعدم إيمانه.
(٢) الإيمان ص ١٣٥
(٣) الإيمان ص٢٨٧
(٤) الإيمان الأوسط ص ٩٥

<<  <   >  >>