للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ» [الروم: ٣٠] .

وقال صلى الله عليه وسلم: " ما من مولود إلا ويولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه " (١) .

ولهذا كانت معرفة النفس الإنسانية كما هي في القرآن والسنة من أجلى الأدلة كشفا عن حقيقة الإيمان الشرعية. ومما يؤكد ذلك أنه يتفق مع "منهج الوحي" في الاستدلال والمناظرة، ذلك المنهج الفطري الذي يخاطب البديهة بوضوح وتيسير بعيدا عن الخوض في القضايا الذهنية المعقدة.

فمعرفة الحقيقة النفسية لا تحتاج إلى عناء في الاستدلال والفهم، بل تقوم على بدهيات مسلمة يحسها كل إنسان من نفسه - مؤمنا أو كافرا - ولا ينكرها إلا مكابر مغالط، ومن هنا كثر الاستدلال على التوحيد بما في حقيقة الإنسان من صفات كالعجز والجهل والضعف والافتقار، وهي من أقوى طرق الاستدلال وأجلاها لكل ذي لب.

ويتبع ذلك الاستدلال على ضرورة الاستقامة على دين الله واتباع شرعه بما في النفس البشرية من صفات كالظلم والجهل والطمع والشح والهلع والكبر وحب الخصام، والإقرار وقت الشدة بما تنكره حال الرخاء!!

وانطلاقا من حقيقة مسلمة في التصور الإسلامي عامة - وهي أن الوحي إنما نزل لتزكية النفس الإنسانية وتقويم عملها؛ ابتداءً من إصلاح الخواطر والإرادات، وانتهاءً بإصلاح الأعمال والحركات، رأيت أن أعرض حقيقة هذه النفس وطبيعة عملها توصلاً بذلك إلى تحويل حقيقة الإيمان الشرعية من مسألة جدلية إلى قضية مسلمة بدهية كتلك؛ أي إنني سأحاول - ما أقدرني الله عليه - إيضاح العلاقة التطابقية بين الحقيقة البدهية للنفس البشرية وبين المفهوم الصحيح للعبادة؛ ليظهر أي التصورين الصادق المصيب؛ التصور السلفي أم التصور الإرجائي؟

إن الناظر لحقيقة النفس الإنسانية وطبيعة عملها في الكتاب والسنة وأقوال العلماء الربانيين المستمدة منهما، يجد أن ذلك يقوم على قضايا بدهية يأخذ بعضها برقاب بعض:


(١) رواه الإمام أحمد والشيخان، وهذا لفظ مسلم (٢٦٥٨)
(٢) هذا هو تفسير الإمام الطبري (٣٠/١١٥) ،وتبعه ابن كثير

<<  <   >  >>