للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جعفر: وذلك معروف في اللغة، وقد ذكرنا أن لغة بني كعب بن ربيعة رضي الله عليك أي عنك.

[سورة النجم (٥٣) : الآيات ١٣ الى ١٤]

وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (١٤)

وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (١٣) أحسن ما قيل فيه وأصحّه أن الضمير يعود على شديد القوى، كما حدّثنا الحسن بن غليب قال: حدثنا محمد بن سوّار الكوفي قال: حدثنا عبدة بن سليمان عن سعيد عن أبي معشر عن إبراهيم عن مسروق قال: قالت عائشة رضي الله عنها: ثلاث من قال واحدة منهن فقد أعظم على الله جلّ وعزّ الفرية: من زعم أنه يعلم ما في غد فقد أعظم الفرية على الله وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً [لقمان: ٣٤] . ومن زعم أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم كتم شيئا من أمر الوحي فقد أعظم على الله الفرية والله جلّ وعزّ يقول: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ [المائدة: ٦٧] ، ومن زعم أنّ محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله جل وعز الفرية والله جلّ ثناؤه يقول: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ [الشورى: ٥١] والله يقول: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ [الأنعام: ١٠٣] قلت: يا أمّ المؤمنين ألم يقل: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (١٣) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ [التكوير: ٢٣] قالت: أنا سألت عن ذلك نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «رأيت جبرائيل عليه السلام نزل سادّا الأفق على خلقه وهيبته أو خلقه وصورته» «١» . وقال الفراء «٢» : «نزلة أخرى» مرّة أخرى. قال أبو جعفر: «نزلة» مصدر في موضع الحال، كما تقول: جاء فلان مشيا أي ماشيا، والتقدير ولقد راه نازلا نزلة أخرى أي في نزوله عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (١٤) متّصل براه. قال عكرمة عن ابن عباس: سألت كعبا عن سدرة المنتهى فقال: إليها ينتهي علم العلماء لا يعلم أحد ما وراءها إلّا الله جلّ وعزّ، وقال الربيع بن أنس: سمّيت سدرة المنتهى لأنه تنتهي إليه أرواح المؤمنين ومذهب الضّحاك أنه ينتهي إليها ما كان من أمر الله من فوقها أو من تحتها. قال أبو جعفر: وليس قول من هذه إلّا وهو محتمل لذلك، ولا خبر يقطع العذر في ذلك، والله جلّ وعزّ أعلم.

[[سورة النجم (٥٣) : آية ١٥]]

عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (١٥)

قال كعب: مأوى أرواح الشهداء، وقال قتادة: مأوى أرواح المؤمنين. ويقال:

إنها الجنة التي أوى إليها أدم عليه السلام، وإنها في السماء السابعة. فأعلم الله جلّ وعزّ أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم قد أسري به إلى السماء السابعة على هذا. فأما من قرأ


(١) أخرجه الترمذي في سننه- التفسير ١١/ ١٨٨، وفي البحر المحيط ٨/ ١٥٧.
(٢) انظر معاني الفراء ٣/ ٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>