للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسمع مكروها ولا أذى، وأما قول الحسن: معناه غير مسمع منك أي غير مجاب إلى ما تقوله فلو كان كذا لكان في اللفظ غير مسموع منك. وَراعِنا قال الأخفش: أي وراعنا سمعك أي ارعنا، وقيل: يريدون بقولهم وراعنا أي وراعنا مواشينا استخفافا بمخاطبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال أبو جعفر: وشرح هذا- والله أعلم- أنهم يظهرون بقولهم: راعنا أرعنا سمعك ويريدون المراعاة يدلّ على هذا قوله عزّ وجل: لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ أي إنهم يلوون ألسنتهم أي يميلونها إلى ما في قلوبهم ويطعنون في الدين أي يقولون لأصحابهم: لو كان نبيا لدرى أنّا نسبّه فأظهر الله جلّ وعزّ النبي صلّى الله عليه وسلّم على ذلك وكان من علامات نبوته، ونهاهم عن هذا القول. لَيًّا مصدر وإن شئت كان مفعولا من أجله وأصله لويا ثم أدغمت الواو في الياء. وَطَعْناً معطوف عليه. وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا «أنّ» في موضع رفع أي لو وقع هذا وقيل: إنّما وقعت «إنّ» في موضع الفعل لأنه لا بد من أن يكون بعدها جملة.

[[سورة النساء (٤) : آية ٤٧]]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (٤٧)

مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ نصب على الحال. مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً ويقال: نطمس ويقال في الكلام: طسم يطسم ويطسم بمعنى طمس، وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا اسم كان وخبرها.

[[سورة النساء (٤) : آية ٤٨]]

إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً (٤٨)

إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ قال أبو جعفر: قد ذكرناه ونزيده بيانا. فهذا من المحكم وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ من المتشابه الذي قد تكلم فيه العلماء فقال بعضهم: كان هذا متشابها حتى بيّن الله جلّ وعزّ ذلك بالوعيد، وقال محمد بن جرير «١» : «قد أبانت هذه الآية أنّ كلّ صاحب كبيرة ففي مشيئة الله جلّ وعزّ، إن شاء عفا عنه ذنبه وإن شاء عاقبه عليه ما لم تكن كبيرته شركا بالله جلّ وعزّ» . وقال بعضهم:

قد بيّن الله جلّ وعزّ بقوله: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ [النساء: ٣١] فأعلم أنه يشاء أن يغفر الصغائر لمن اجتنب الكبائر ولا يغفرها لمن أتى الكبائر، وقول ثالث أنّ المعنى في «لمن يشاء» لمن تاب ويكون إخبارا بعد إخبار أنه يغفر الشرك وجميع الذنوب لمن تاب «فأن» في موضع نصب بيغفر، ويجوز أن يكون في موضع نصب بمعنى أن الله لا يغفر ذنبا مع أن يشرك به وبأن يشرك به، ويجوز على


(١) انظر تفسير الطبري ٥/ ١٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>