للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحجج الباهرة فهو شفاء للمؤمنين أن لا يلحقهم في قلوبهم مرض ولا ريب، وأجاز الكسائي وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ نسقا على «ما» أي وننزل رحمة للمؤمنين. وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً أي يكفرون فيزدادون خسارا. وهذا مجاز.

[[سورة الإسراء (١٧) : آية ٨٣]]

وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً (٨٣)

وقرأ أبو جعفر وناء بجانبه «١» . قال الكسائي هما لغتان. وقال الفراء: لغة أهل الحجاز نأى ولغة بعض هوازن وبني كنانة وكثير من الأنصار ناء يا هذا. قال أبو جعفر: الأصل نأى ثم قلب، وهذا من قول الكوفيين مما يتعجّب منه لأنهم يقولون فيما كانت فيه لغتان وليس بمقلوب: هو مقلوب، نحو جذب وجبذ، ولا يقولون في هذا، وهو مقلوب: شيئا من ذلك. والدليل على أنه مقلوب أنهم قد أجمعوا على أن يقولوا:

نأيت نأيا، ورأيت رأيا ورؤية ورؤيا، فهذا كلّه من نأى ورأى، ولو كان من ناء وراء لقالوا: رئت ونئت مثل جئت. وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً وإن خففت الهمزة جعلتها بين بين وحكى الكسائي عن العرب الحذف «كان يوسا» «٢» وحكى وإذا المودة [التكوير:

٨] قال: مثل الموزة.

[[سورة الإسراء (١٧) : آية ٨٤]]

قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً (٨٤)

قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ هذه الآية من أشكل ما في السورة. ومن أحسن ما قيل فيها أن المعنى قل كلّ يعمل على ما هو أشكل عنده وأولى بالصواب. فربكم أعلم بمن هو أولى بالصواب. وهذا تستعمله العرب بعد تبيين الشيء مثل وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [سبأ: ٢٤] ، وكما يقول الرجل لخصمه: إنّ أحدنا لكاذب، فقد صار في الكلام معنى التوبيخ. فهذا قول، وقيل: معنى قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ في أوقات الشرائع المفترضة لا غير، وفيها قول ثالث يكون المعنى: قل كلّ يعمل على ناحيته وعلى طريقته فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا فلمّا علم بيّن الحقّ والسّبل.

[[سورة الإسراء (١٧) : آية ٨٥]]

وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٥)

وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي قد تكلّم العلماء فيه فقيل: علم الله جلّ وعزّ أنّ الأصلح لهم أن لا يخبرهم ما الروح لأن اليهود قالت لهم: في كتابنا أنه إن فسّر لكم ما الروح فليس بنبيّ وإن لم يفسره فهو نبي، وقيل: إنهم سألوا عن عيسى صلّى الله عليه وسلّم فقال لهم الروح من أمر ربّي أي شيء أمر الله جلّ وعزّ به وخلقه لا كما يقول النصارى.


(١) انظر البحر المحيط ٦/ ٧٣.
(٢) انظر معاني الفراء ٢/ ١٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>