للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرسول صلّى الله عليه وسلّم، أو الحق الذي يكتمونه، أو للجنس. والمعنى أن الْحَقُّ ما ثبت أنه من الله تعالى كالذي أنت عليه لا ما لم يثبت كالذي عليه أهل الكتاب، وإما خبر مبتدأ محذوف أي هو الْحَقُّ. ومن ربك حال، أو خبر بعد خبر. وقرئ بالنصب على أنه بدل من الأول، أو مفعول يَعْلَمُونَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ الشاكين في أنه من ربك، أو في كتمانهم الحق عالمين به، وليس المراد به نهي الرسول صلّى الله عليه وسلّم عن الشك فيه، لأنه غير متوقع منه وليس بقصد واختيار، بل إما تحقيق الأمر وإنه بحيث لا يشك فيه ناظر، أو أمر الأمة باكتساب المعارف المزيحة للشك على الوجه الأبلغ.

[[سورة البقرة (٢) : آية ١٤٨]]

وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٤٨)

لِكُلٍّ وِجْهَةٌ

ولكل أمة قبلة، أو لكل قوم من المسلمين جهة وجانب من الكعبة، والتنوين بدل الإضافةوَ مُوَلِّيها

أحد المفعولين محذوف، أي هو موليها وجهه، أو الله تعالى موليها إياه. وقرئ:

«وَلِكُلّ وِجْهَةٍ» بالإِضافة، والمعنى وكل وجهة الله موليها أهلها، واللام مزيدة للتأكيد جبراً لضعف العامل.

وقرأ ابن عامر: «مولاها» أي هو مولى تلك الجهة أي قد وليهااسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ

من أمر القبلة وغيره مما ينال به سعادة الدارين، أو الفاضلات من الجهات وهي المسامتة للكعبةيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً

أي: في أي موضع تكونوا من موافق ومخالف مجتمع الأجزاء ومفترقها، يحشركم الله إلى المحشر للجزاء، أو أينما تكونوا من أعماق الأرض وقلل الجبال، يقبض أرواحكم، أو أينما تكونوا من الجهات المتقابلة، يأت بكم الله جميعاً ويجعل صلواتكم كأنها إلى جهة واحدة. نَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

فيقدر على الإماتة والإحياء والجمع.

[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٤٩ الى ١٥٠]

وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٤٩) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٠)

وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ ومن أي مكان خرجت للسفر فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إذا صليت وَإِنَّهُ وإن هذا الأمر لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ وقرأ أبو عمرو بالياء والباقون بالتاء.

وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ كرر هذا الحكم لتعدد علله، فإنه تعالى ذكر للتحويل ثلاث علل. تعظيم الرسول صلّى الله عليه وسلّم بابتغاء مرضاته، وجري العادة الإِلهية على أن يولي أهل كل ملة وصاحب دعوة وجهة يستقبلها ويتميز بها. ودفع حجج المخالفين على ما نبينه. وقرن بكل علة معلولها كما يقرن المدلول بكل واحد من دلائله تقريباً وتقريراً، مع أن القبلة لها شأن.

والنسخ من مظان الفتنة والشبهة فبالحري أن يؤكد أمرها ويعاد ذكرها مرة بعد أخرى. لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ علة لقوله فَوَلُّوا، والمعنى أن التولية عن الصخرة إلى الكعبة تدفع احتجاج اليهود بأن المنعوت في التوراة قبلته الكعبة، وأن محمداً يجحد ديننا ويتبعنا في قبلتنا. والمشركين بأنه يدعي ملة إبراهيم ويخالف قبلته إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ استثناء من الناس، أي لئلا يكون لأحد من الناس حجة إلا المعاندين منهم فإنهم يقولون: ما تحول إلى الكعبة إلا ميلاً إلى دين قومه وحباً لبلده، أو بدا له فرجع إلى قبلة آبائه ويوشك أن يرجع إلى دينهم. وسمى هذه حجة كقوله تعالى: حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ لأنهم يسوقونها

<<  <  ج: ص:  >  >>